أقلامهم

خليل حيدر : لا كنائس.. بعد اليوم!

لا كنائس.. بعد اليوم!

خليل علي حيدر
الغريب أن تصدر الدعوة عن محام يفترض فيه الدفاع عن الحقوق
دعوة النائب اسامة المناور الى التضييق على المسيحيين في الكويت بإغلاق الكنائس نهائيا أو عدم السماح ببناء كنائس جديدة، تثير العديد من النقاط:
-1 اول ما يستوقف الانسان من مثل هذه الدعوة انها تصدر من محام يتوقع منه الآخرون الدفاع عن الحقوق وتقليب الامور على اكثر من وجه والحرص على الموضوعية وعدم ظلم الاطراف الاخرى. بل ربما لجأ اليه بعض المسيحيين المظلومين من ارباب عملهم في الكويت اليه، فكيف سيتخلص من موقف كهذا؟
-2 السيد اسامة مناور نائب برلماني جديد. والاولى بمن يصل الى المجلس لأول مرة ان يتريث ويدرس الاوضاع، وان يبتعد في مستهل الامر عن المواقف المثيرة للجدل أو يطرقها بذكاء واعتدال وتدرج. ثم ان الجمهور، وقد نال العضو نحو 11 الف صوت، يتوقع روحا جديدة ورؤى مستقبلية، فهل هذا الطرح افضل ما لديه وعصارة خبرته؟
-3 عضو مجلس الامة يعد من النخبة الرفيعة في البلاد، بل لعله من نخبة النخب ممن تحسب عليهم كلماتهم ومواقفهم حتى اعلان مشاعرهم. فهو ليس بخطيب يوم جمعة ولا مجرد اسلامي متحمس ولا شخص مستقل يعبر عن افكاره دون النظر الى أي اعتبار. فهل مثل هذه الدعوة صادرة حقا عن الشخص المناسب؟ وهل مصلحة الجماعة الاسلامية، مهما كانت، فوق مصلحة الوطن؟
-4 الاستاذ اسامة ينحدر من «عائلة اعلامية»، ويجمع عدة صفات، من المنبت القبلي، الى التوجه الاسلامي، الى المواطنة الكويتية المعروفة بالتسامح والتعددية المذهبية والدينية والانفتاح! ومن هنا، فإن هذه الدعوة لا تصلح لأن تصدر منه، وبخاصة بعد ان استهلكتها المجلات الاسلامية الكويتية لأربعين سنة، وطالب بها من طالب.
-5 النائب اسامة المناور، بحكم عمله ودفاعه عن معتقلي غوانتانامو وغيرهم من المتشددين الاسلاميين، يدرك طبيعة العصر واهمية المؤسسات الدولية وتداخل الثقافات وحقوق الانسان والمكانة المتميزة للحرية الدينية بالذات في المواثيق الدولية، ويعرف ان كلامه عندما يترجم في المحافل الاعلامية والقانونية الدولية سيُحرِجُ بشدة المسلمين قبل غيرهم في اوروبا وامريكا، وتجعل من الديموقراطية الكويتية موضع تندر هناك!
-6 المسلمون في الكويت والعالم العربي وفي كل مكان يثيرون باستمرار قضايا الاضطهاد والتمييز ضد المسلمين في اوروبا وامريكا، ويطالبون بحريات لا يحلم بها أي مسيحي هندي أو مسيحية فلبينية أو مسيحي لبناني أو مصري أو عراقي في الكويت والدول العربية. وعلى رأس الشكاوى «التضييق» على المسلمين في اوروبا من ناحية المساجد والمآذن وغيرها. ألا تستوقف هذه الحقيقة كذلك النائب الفاضل والمحامي والناشط السياسي؟
-7 لم يثبت ان وجود الكنائس في الكويت على مدى القرن العشرين، قد حقق اية نجاحات في مجال تنصير المسلمين. والمشاهد منذ فترة طويلة هو العكس تماما، حيث تحول عدد لا يستهان به من افراد الجاليات المسيحية في الكويت الى الاسلام. فلماذا يضع النائب اسامة مناور عقله وضميره الانساني وتسامحه الكويتي و«وسطيته» الاسلامية جانبا، ويتحسس لمثل هذه الدعوة؟
-8 «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب»، ولكن اين حدود جزيرة العرب؟ وهل المحاذير يوم كان عدد المسلمين في جزيرة العرب محاصرا محدودا كشأن المسلمين اليوم في دول مجلس التعاون؟ وأي خطر ستشكله كنائس الجاليات الهندية والفلبينية ومسيحيي العالم العربي والغربي على حقوق ووجود المسلمين في الكويت؟ ألا تعني ظروف العالم الاسلامي اليوم، وارتفاع عدد المسلمين الى المليار والنصف، وانتشار الاسلام في كل اصقاع الدنيا، وتسامح اوروبا وامريكا مع آلاف المساجد والمراكز الاسلامية والجمعيات والصحف والقنوات والاحزاب الاسلامية أي شيء للنائب المناور؟
-9 للكويت، كما يدرك النائب اسامة المناور وندرك جميعا، مكانة وظروف وتوازنات حساسة. فقد حماها اتفاق عام 1899 من الضياع في اوائل القرن العشرين، واعادها التحالف الدولي الى الحرية والوجود عام 1991. وقد لعب نفس «المسيحيين والنصارى» في التحالف الدولي دورا معروفا في انقاذ كوسوفو، التي لا نفط فيها.. ولا زيت زيتون! هل من الافضل ان نستفز كنائس امريكا واوروبا ضدنا.. بمثل هذه الدعوة؟
-10 نحن نريد المجلس قوة سياسية عصرية تنقل البلاد الى آفاق القرن الحادي والعشرين. وربما كانت القوى التي تساند النائب لا تؤمن بالضرورة بقيم التسامح الديني والحرص على بعض الحقوق، ولكن من البديهيات الدستورية ان عضو مجلس الامة «يمثل الامة بأسرها، ويرعى المصلحة العامة». ولا ارى بوضوح كيف يمكن لدعوة التضييق على حقوق المسيحيين بالذات ان تخدم المصلحة العامة!