كتاب سبر

أحقاً قاومنا وتحررنا ؟

 قبل أمس احتفلنا باستقلالك, وأمس قلنا قاومنا العدو وحررناك ..
هل صدقنا ؟ أم كُنا من المدّعين؟
هل سننّا سُنّة حسنة في حب الوطن, أم لبسنا عمامة المبتَدِعين؟
هل تعاقبت علينا الصلوت في محرابه؟
أم عاقبناه ومزقناه شرّ ممزق, ثم تربصنا به الدوائر؟
ومرّغنا أنفه برماله, ثم جلسنا نندب الجفاف وحَبس الغيث ؟
هل نستبشر بزغاريد حياة آتٍ جديد ونراه وطناً جميلاً ملونا, سيضيف في أرصدتنا منحة المولود ؟
هل إذا جاءت سكرات الموت إيذاناً بالرحيل نسخط ويضيق بنا, لأنه خلّف لنا تركه لا ترم العظم الرميم ؟
هل هكذا نرى الوطن مزاجاً يتعكر تارة ويتعطر أخرى ؟
أم ماذا يكون الوطن ؟
أحقاً يجهلون ما هو ؟ وهل مثل الوطن يُسأل عنه ويُعرّف !
لا ضير لنُذكّر, فإن الذكرى جاءت فقط, للمؤمنين بأن لديهم وطناً ..
الوطن أيها السادة, منزّه عن تقلب المشاعر, وتكالب الأهواء, وتآمر الشهوات ..
الوطن, قطعة أثرية, في خانة عمر بطاقته المدنية مسطور “ما دامت السماوات والأرض”
الوطن, لا يَقدُم ولا يبلى, ولا يُذنب فنعاقبه, ولا يمنح فنشكره ..
إنه المنطقة المتزنة في هول ارتجاج الأرواح, وكآبة المنظر ..
أنه الجاذبية الأرضية إذا نُفِخ في صورِ البلاد وتناثر العباد ..
إنه حب لا يُقاوَم, حب المُرغَم, وإجابة دعوة المضطر ..
الوطن حق لا ريب فيه, وحبه فرض عينٍ على القلوب ..
وطن حبيبي محمد ” مكة ” نزلت في سبيله أغلى قطرات من دموعه وهو يودعها قائلاً :
” ولولا أن أهلكِ أخرجوني منك ما خرجت منكِ” بأبي أنت وأمي ..
ها نحن ” أمّـتـك ” آمنين في أوطاننا, ولكننا عليها خارجون ..
لم نحسن تبعُّـله رغم أنه السكن والمودة والرحمة ..
آه يا وطن, كيف نقول إننا قاومنا في سبيلك والقلوب شَطر الهوى مُفضية ؟
وندّعي أننا حررناك والأجساد تنازع الرغبات, وتوسعك سرقات ؟
ولا تصارع السوء الرابض فوق صدرك المثخن بالخيانات ؟
ما أطعناك حق الطاعة, ولا كنا لك من المستحقين ..
صدرك لنا رَحِب, وقلبنا بك ضيق حرج ..
أمس ذكرى تحريرك من الطغاة؟ ونحن؟ أليس كل منا مشروع ” طاغية ” ؟
نعيش بين جنباتك, ونمارس كل أصناف الأنانية ..
إن كنا نحن عيالك, كيف لا تغفو يتيماً وتفيق أسيراً لدور الرعاية الاجتماعية ؟
كيف تضمن أن لا تكون يوماً ما, سليباً ضعيفاً مسكينا ؟
أين تفر يا وطن إن كنا نحن الغُزاة ؟
إننا لك قدر, وأنت لنا روحٌ وريحان, وشراب من آنية فضية, وأمسية قمرية ..
نحن لك سقر, وأنت نعيم لا ينفد, وقرة عين لا تنقطع ..
أنت الصاحب والولد والرحم, ومن هم ؟
هم من يقولون قاوموا وحرروك ؟
كاذبون, ما قاوموا لأجلك ولا حرروك ولكن شُبّه لهم ..
ولو فعلوا لما بكت عليك السماء يوم التحرير, سواداً كقلوبهم ..
بل استعبدوك, وأنت رهينتهم, يا وطن الحب ..
هاؤم أخوة يوسُف ” الجدد ” أحفاد بني إسرائيل..
يقذفونك في غياهب الجب ..
انتظر يا وطن, انتظر, ستأتيك سيّارة وتنقذك ممن باعك بثمنٍ بخس ..
سيُصدِّقـك ” العزيز ” ويكذِّب ” امرأته ” ..
وستكون على خزائن الأرض, وإن سُجنتَ حتى حين ..
وتذكر, إن الله مع الصابرين.