آراؤهم

الربيع الخليجي

 الثورات الشعبية التي قام بها المواطن الضعيف  في وجه الأنظمة الحاكمة ” المستعمرة ” .. عصفت رياحها ونظرت إلى آثارها كل الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج .. لتُغرس بذرة في رأس كل انسان – مؤيد للثورات أو معارض – أنه من الممكن أن يواجه صوت الشعب أصوات الطلقات النارية .. وأنه من الممكن أن يزج الحاكم بالسجن متى ما حكم الشعب بذلك .. وأن ” النزول للشارع ” هو أسهل طريقة للصعود إلى سماء الحرية ! وأن الزمن بين صوت الطلقة النارية .. والشهادة .. ثانية .. تحلق بعدها أرواحنا مع الملائكة في السماء ..أحيي جميع الشهداء الذين ينظرون إلينا من السماء الآن .. والذين لا زالوا يتظاهرون بانتظار تلك الثانية ..
 
 من السابق لأوانه الحكم بالنتيجة المحصلة للثورة في الدول التي تخلصت من أنظمتها الفاسدة ” فالمباراة لا تزال قائمة ” كما يقول الدكتور الغذامي ، وأنا مؤمن بالنهاية أن الثورة بذاتها انتصار عظيم في وجه الظلم وآمل أن تكون النتائج بذات العظمة .. وعندما أقول نتائج فهي التي ستتضح ملامحها بعد عقد من الآن .. وهناك دول لم تحدث بها ثورات ” حقيقية ” حتى الآن إما بسبب امتصاص السلطة لغضب التنين الثوري المترقب أمام قصورها الحاكمة أم لأن التنين بكل بساطة لم يستيقظ حتى الآن .. وسأتحدث هنا عن الثورة الخليجية ما هي ماهيتها وما هي عراقيلها وأيضا محفزاتها بشكل مختصر وبوجهة نظر شخصية قد تحتمل الصواب أو الخطأ ..
 
 دول الخليج ليست في معزل عن هذه الأجواء ” الثورية ” لكن طبيعة أنظمة الحكم والواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في منطقتنا يختلف عن كثير من الدول .. والثورة الخليجية إن جاءت فهي ستكون غالبا ثورة ” تجميلية ” تسعى لتغيير ” نهج السلطة ” لا ” السلطة ” .. لأن القمع والاستبداد ومصادرة كرامات الشعب مقارنة بالأنظمة البائدة أقـل نسبياً .. كما أن ” دخل الفرد ” وعقلية ” الأمور طيبه وحنا بخير ” و ” الحمدلله على نعمة الأمن والأمان ” لها دورها الكبير في التخفيف من معدل تكوّن الثورة على الأرض .. لكنها آتية لا محالة وربما تكون بشعة وذات عواقب وخيمة إذا ما استمرت بعض دول الخليج باستفزاز الشعب وزجه في سجونها ” الغوانتانامويه ” وفصله عن المشاركة السياسية ” الحقيقية ” لا ” الكرتونية ” .. يجب أن تعي كل الحكومات الخليجية أن ” العيال كبرت ” وأن هناك تغيّر مستمر وسريع
 في عقول الخليجيين .. وأن هذا التغير في الشعوب من الضروري أن يواكبه تغيّر في سياسة الحكومات .. وعقلية بيت الشعر والشيخ ” والمقلقسين ” باتت تتقهقر أمام المد ” الآيفوني ” … وكما قال احد الأساتذة الأفاضل ” لسنا ضيوف شرف في أوطاننا ” وليس لأحد الفضل والمنّة في الرخاء الاقتصادي بل هو الله ثم الأرض التي تحت أقدامنا ..
 
 المجتمع الخليجي بطبيعته وبشكل عفوي يميل إلى الاندماج بالدائرة الأصغر وهي دائرة القبيلة ، الطائفة ، الفئة .. بصورة أكبر من اندماجه مع الدائرة الأكبر وهي دائرة الوطن والروح الوطنية الحقيقية وكنتيجة يتم فرز المجتمع والتصنيف وهذا ما يؤدي إلى الإيمان بأن الأسرة الحاكمة هي حلقة الوصل التي تجمع كل هذه الطوائف والأقدر على التعامل مع الجميع وهي ” أفضل الأسوأ ” .. وهم غالباً كذلك ، وقد قال احد المفكرين ” أن الثورة بالخليج إما تكون إصلاح أو فتنـة ” للتدليل على فكرة ” من هو البديل ” .. ضف على ذلك ما أحب ان أطلق عليها ” العلمانية الملتحية ” أي الخطاب الديني الذي يحاول فصل الدين عن الدولة وحبسه في حدود المسجد والحديث عن أحكام الوضوء وفضل رمضان بدل أن يكون منبراً للمطالبة بالاصلاح .. وهو خطاب مؤثر في المجتمع الخليجي .. تستخدمه السلطة أحياناً كحجّة أو بالأحرى ” إبرة مخدرة ” فالمظاهرات حرام .. والانتقاد أو ما يطلقون عليه ” المناصحة بالعلن ” لا تجوز .. وشهداء .. الثورات العربية .. ليسوا شهداء .. وولي الأمر مقدّس بل هو إله بشري .. يجب مراعاة ظروفه النفسية !!

 
 هذه العوامل كلها كانت مسيطرة بالسابق أما الآن فهي موجوده لكنها في طريقها إلى التلاشي .. وهي عوامل تؤخر الثورة قليلاً .. ولا تقضي عليها .. فهي مسألة وقت .. لأن العولمة بطائرها المغرّد و” وزارات إعلامها ” التكنولوجية التي تعمل عكس نظرية الكيانات المجتمعية الصغيرة من خلال التواصل والانفتاح مع الآخر
” المجهول ” ، تزيد من فرص المزج بين الكيانات المجتمعية والتعايش بالتالي النضوج الفكري والسياسي السريع ، ضف على ذلك أن العولمة تكبّر صوت القمع الممارس من النظام الحاكم ، وتوزّع المنشورات على الجميع ، وتعرض صور الظلم والقمع من أي مكان وبأي وقت ، وتنشر قصص سرقة أموال الشعب .. فتزداد نبرة السخط والغضب الشعبي لتتمخض عنه بالنهاية ثورة تحدد ملامحها ردة فعل النظام ..
 
 بالنهاية :
سيظل الطائر الأزرق يحلق في أذهاننا .. ويغرّد .. حتى يكف الأسد عن الزئير .

صـاهود المطيـري
 @SahoudF