أقلامهم

أحمد الديين : المعركة ضد الفساد ليست للنواب وحدهم

ليست معركة النواب وحدهم!

أحمد الديين 
 
إذا تجاوزنا بعض العناوين المثيرة للجدل ضمن قائمة الأولويات التشريعية التي أقرّتها اللجنة التنسيقية لنواب الغالبية في مجلس الأمة، فإنّ اقتراحات قوانين هيئة مكافحة الفساد، والكشف عن الذمّة المالية، وحماية المبلّغ، ومنع تعارض المصالح، وتنظيم المصروفات الخاصة، واستقلالية القضاء، ومخاصمة القضاء، وتنظيم الهيئات السياسية، وخفض سن الناخب إلى 18 عاما، وتصويت العسكريين في الانتخابات، وإنشاء المحكمة الدستورية العليا، الواردة ضمن هذه القائمة تمثّل في مجموعها استحقاقات مطروحة ومطالب معلنة في المعركة الدائرة ضد الفساد ومن أجل الإصلاح السياسي، التي سبق أن أطلقها الحراك الشعبي منذ نهاية العام 2009، وبالتأكيد فقد حان الوقت لإنجازها على أرض الواقع.
ومع التأكيد على أهمية الجبهة البرلمانية في المعركة ضد الفساد ومن أجل الإصلاح السياسي خصوصا في ظل وجود الغالبية النيابية الحالية والتزامها هذه الأولويات، إلا أنّه يجب أن يكون واضحا أنّ الطابع السياسي لهذه المعركة يفرض بالضرورة عدم حصرها في نطاق الجبهة البرلمانية وحدها… إذ لا يكفي أن يتفق نواب الغالبية على إقرار الاقتراحات بقوانين ذات الصلة بالتصدي للفساد وإنجاز الإصلاح السياسي ويصوّتوا عليها لينتهي الأمر، فهناك في المقابل جبهة مضادة تضم مراكز نفوذ وأصحاب مصالح وقوى سلطوية يجب عدم الاستهانة بها، حيث ستحاول أطراف هذه الجبهة المضادة ما أمكنها ذلك إعاقة إقرار مثل هذه القوانين الإصلاحية؛ فإن أقرّها مجلس الأمة فإنّ هذه الأطراف ستضغط من أجل دفع الحكومة إلى ردّها إليه مرة أخرى، ما يصعّب إقرار هذه القوانين مجددا في دور الانعقاد ذاته الذي ستُرد فيه إلى المجلس، ناهيك عن احتمال شقّ جبهة الغالبية النيابية وبروز خلافات في صفوفها حول هذا القانون أو ذاك… فعلى سبيل المثال لا الحصر لقد سبق لممثلي “التجمع الإسلامي السلفي” في اللقاءات الداخلية للقوى السياسية أن اعترضوا على المطلبين المطروحين من قوى سياسية أخرى في شأن استقلالية القضاء وإشهار الأحزاب السياسية، بالإضافة إلى إصرار بعض نواب الغالبية على طرح “أولويات” مثيرة للخلاف وهي بالتأكيد ستصرف الانتباه عن القضايا الرئيسية.
وإزاء هذا فإنّ الحاجة قائمة لتعبئة الرأي العام الشعبي في المعركة ضد الفساد ومن أجل الإصلاح السياسي، بحيث يفترض أن يطلع نواب الغالبية المواطنين على الاقتراحات بقوانين ذات الصلة بهذه المعركة ليقفوا على أهميتها؛ وليشكلوا بعد ذلك قوة ضغط تدعم الغالبية النيابية في إقرارها وتتصدى معها لمحاولات عرقلتها.
ومن جانب آخر، فإنّ بعض هذه الاقتراحات بقوانين المطروحة ضمن الأولويات التشريعية تمثّل قوانين تأسيسية، وبالتالي فلابد من أن تكون هذه الاقتراحات محل توافق وطني واسع عليها… فعلى سبيل المثال فإنّ اقتراح قانون تنظيم الهيئات السياسية ينطوي على أهمية استثنائية بالغة تتطلّب تداولا صريحا حول توجهاته وأحكامه ومتطلباته وتفاصيله تشارك فيه التجمعات السياسية القائمة جميعها، بما فيها التجمعات غير الممثلة نيابيا… وكذلك الحال أيضا مع عدد آخر من الاقتراحات بقوانين الواردة ضمن قائمة الأولويات، التي تحتاج إلى مزيد من البحث والتدقيق داخل لجان مجلس الأمة وكذلك خارج المجلس، ما يستدعي عقد ندوات عامة وتنظيم حلقات نقاش حولها.
باختصار، فإنّ معركة التصدي للفساد وتحقيق الإصلاح السياسي ليست معركة النواب وحدهم!