أقلامهم

يعقوب الشراح : غياب تشريعات و أخلاقيات الحفاظ على مياه الشرب!

 أخلاقيات الحفاظ على مياه الشرب

د. يعقوب أحمد الشراح

كتبنا مثل غيرنا عن غياب التشريعات في مجال استخدامات المياه الصالحة للشرب، فلقد تجاوز الهدر في المياه حدوداً لا يطاق أمام اسراف لا مبرر له، وتكاليف باهظة تدفعها الدولة من أجل تحلية وتوصيل المياه الى السكان. هذا الهدر في المياه لا صلة له بالحديث المكرر عن غياب التوعية، فليس هناك عاقل لا يدرك أهمية الماء في الحياة، أو أن الاسراف ضياع للمورد وعبث في عبث تماماً مثلما يستهلك الناس الكهرباء بمعدلات تفوق احتياجاتها الفعلية.
 كل ذلك يحدث في غياب القانون الرادع والتشريعات التي تمنع الهدر والالتزام بالترشيد والمحافظة على الثروة المائية.
الباحث في مشكلة المياه عالمياً يجد أن ندرة المياه في العالم تشكل أزمة لها مشاكل واحدة، فليس هناك مجتمع لا يعاني من ندرة المياه التي تستخدم في شتى مناحي الحياة من زراعة وصناعة واستعمالات يومية في النظافة والاستحمام والشرب وغيرها. لكن هذه الندرة تقابلها لدى الدول المتحضرة قوانين ضابطة لمعدلات الاستهلاك وعقوبات رادعة تمنع السلوك الذي يسعى لهدر الماء والعبث فيه، باعتبار أن الماء مورد ثمين وأساسي للحياة تتنازع عليه الدول، خصوصاً اذا كانت منابع هذا المورد تصب في أنهار وبحيرات تمر عبر الحدود وتؤثر على معدلات الحاجة من الماء في كل دولة. ولقد أدت النزاعات على الماء الى مواجهات مسلحة بين بعض الدول عندما تقام السدود والمشاريع الكبيرة بالقرب أو على مجرى المياه.
ان البعض يستغرب من ندرة المياه بينما تشكل هذه المياه غالبية سطح الأرض من مياه البحار 97 في المئة لكن مساحات الأرض التي تحوي المياه الصالحة للاستخدام البشري محدودة، فالأنهار تشكل حوالي 2 في المئة، والمستنقعات 11 في المئة، والبحيرات تشكل 87 في المئة من إجمالي المياه الحلوة على الأرض. وتعتبر البرازيل من أكثر الدول التي تمتلك مصادر المياه الحلوة تليها روسيا وكندا.
لقد وجد أن حوالي 8 في المئة من المياه المستخدمة عالمياً تستهلك للأغراض المنزلية، وهذه تشمل مياه الشرب والاستحمام والطبخ والنظافة وري الحدائق المنزلية. كما أن استهلاك الفرد للمياه على المستوى العالمي لا يتعدى 50 ليتراً من دون حساب المياه المستخدمة في ري المزروعات المنزلية يومياً. لكن عند البحث في معدلات استهلاك الفرد من المياه في بعض الدول المتقدمة فإننا نجد أن هناك تفاوتاً كبيراً في استهلاك الفرد للمياه، فالأميركيون يستهلكون حوالي 333 ليتراً، والألمان حوالي 130 ليتراً يومياً أما نحن فإننا نستهلك يومياً حوالي 430 ليتراً!!
إن الإفراط في استهلاكنا للمياه ليس بالضرورة مرتبطا بحاجتنا الفعلية، حيث ان أكثر من ثلاثة أرباع هذا الاستهلاك ناتج من هدر البشر للمياه، خصوصاً وان كلفة استهلاك المياه رخيصة تساوي تقريباً أقل من ربع تكلفة إنتاجها وتوزيعها من الدولة. ما يعني أهمية وضع التشريعات للحد من هدر المياه، وسن العقوبات الرادعة نتيجة تزايد معدلات استخدام المياه وبطريقة غير مقبولة تتمثل يومياً في مشاهداتنا لأساليب صرف المياه وبكميات عالية على غسيل السيارات أمام المنازل، أو في ري الحدائق الخاصة وغيرها، ناهيك عن الهدر بسبب تلف أنابيب توصيل المياه تحت الأرض، وتسرب المياه من أنابيب الصرف المختلفة.