أقلامهم

أحمد الصراف :الكويت على درب مصر

هل نحن حقا متدينون؟

أحمد الصراف 
عنوان المقال هو تساؤل طرحه الأديب المصري علاء الأسواني في مقال نشر له أخيرا عن حقيقة تدين مجتمعاتنا الإسلامية، والعربية بالذات، وشكك في الأمر، وقال إن الواقع غير ذلك، وأورد قصة صديق له مع صيدلي ملتح رفض اعطاء والدته حقنة إنسولين، بعد نوبة فاجأتها في منطقة نائية، بحجة مخالفة ذلك للشرع، وطلب منه البحث عن طبيبة، ولم يقتنع بأنها جاوزت السبعين، وحالتها خطرة!.
 كما تعرض لظاهرة تعطل كثير من الخدمات الضرورية، وبخاصة الخدمات العلاجية في المستشفيات، في رمضان، بسبب مغادرة كثير من الطاقم الطبي، وحتى من العناية المركزة والحوادث، لأعمالهم لتناول الافطار، ولا يعودون قبل ساعتين كاملتين، حتى يتسنى لهم أداء صلاة التراويح في المسجد.
تاركين المرضى المساكين لمواجهة مصيرهم، فقد تتدهور حالاتهم أو يموتون، بينما الأطباء والممرضون يتعبدون في المسجد، لأنهم ربما يعتبرون أداء صلاة التراويح أهم بكثير من أي شيء في الدنيا، حتى ولو كانت حياة انسان بريء مريض يفترض أنهم مسؤولون عنه! وهذه الظاهرة وجدنا انها اصبحت تتفشى في الكويت في كثير من المرافق، وخصوصا في المطار والمخافر، ومراكز الخدمة الليلية، ومعروف ان الانتاجية في شهر الصيام، وبخاصة في الفترة المسائية تهبط إلى درجات متدنية، ومرشح لها أن تتزايد مع تزايد أعداد «حماة الدين» في السلطة التشريعية!
ويتساءل الأسواني عن سبب إصرار بعض الضباط في مصر على السماح لهم بإطلاق لحاهم، وكيف أن هؤلاء كانوا شهودا بائسين على جرائم العهد السابق، وشاهدوها وشاركوا فيها، أو على الأقل كان لهم علم بها، ومع هذا لم يتركوا ليحتجوا ان ينبسوا بكلمة أو يستقيلوا، فكيف اصبحت اللحية الآن عندهم أهم من شرف وعرض وحياة وصراخ وآلام وكرامة الملايين من اخوتهم وابناء وطنهم من ضحايا النظام السابق، وما سبقه على مدى 60 عاما؟ وكيف أصبحت مسألة إطلاق اللحى معركة مقدسة لكثير من الضباط بعد رفض القيادة لطلبهم؟.
كما تطرق لظاهرة غريبة، نعرفها جيدا في الكويت منذ عقود، وتتعلق بذلك الإصرار الشديد على أداء الصلاة في المسجد، ولو تطلب الأمر افتراش الشارع واغلاق الشوارع واحتلال الأرصفة، وهذا جميل لو كان هذا التصرف يعكس حقيقة تعاملاتهم اليومية والمالية وتصرفاتهم، ومدى قربهم من الصدق والوفاء بالوعد والدين وعدم حلف الكذب والغش في البضاعة، وان هذا يمثل انفصالا بين العقيدة والسلوك، ولو كان الأمر مقتصرا على قلة لقلنا بنفاق هؤلاء، ولكن ما الوصف المناسب إن كان الأمر يشمل قطاعات كبيرة من المجتمع؟ علما بأن هؤلاء المتدينين الذين يحرصون على الشكل من دون الجوهر ليسوا بالضرورة منافقين أو أشرارا، لكنهم ببساطة يطبقون الدين كما فهموه وتعلموه. وان القراءة الرائجة للدين الآن في مصر تقدم الشكل على الجوهر، وتهتم بالعبادات أكثر بكثير من السلوك، وهذه الطبعة من الاسلام ليست مصرية في الواقع، لأن التدين المصري المعتدل انسحب أمام الاسلام الوهابي القادم من الخليج. وتم على مدى ثلاثين عاما استعمال أموال النفط الوفيرة لإغراق مصر وغيرها بالافكار الوهابية، وهذا الدعم للمذهب الوهابي غرضه سياسي بالأساس!.
والآن بما ان الكويت تسير على درب مصر، بفضل فشلهم وفشلنا في تحصين ابنائنا من هذه الأوبئة، بالأفكار الليبرالية والعلمانية السليمة، التي تفصل الدين عن الدولة، والتي تضع مصلحة الوطن فوق كل شيء، فإن علينا العيش في العهد الأسود المقبل، لا أمل لنا في غير أن يأكل هؤلاء بعضهم بعضا.