حرام يا أخضر حرام خرجنا من كأس العالم
نادين البدير
من قال إن كرة القدم مسألة لا وطنية، لا قومية؟ من الذي أضيق أفقه الوطني كي يعتبر أن مشاركات بلاده العالمية مجرد دائرة جلدية تتدحرج بالملاعب؟
عدا السياسة والبترول وقصص بن لادن الكوكبية، فنحن لا نشارك بمسابقات الجمال ولا يد لنا بالاختراعات، ومطبخنا السعودي لم يشتهر، لكن العالم عرفنا تاريخياً بالشعر، ثم انضمت الموسيقى للشعر، وكادت كرة القدم أن تكمل المثلث لولا ما حدث فجأة،
يستحيل تخيل منظومة الشعر هنا، يستحيل قبول كل ذاك الخيال من شاعر صحراوي يعيش تراكيب معقدة لنزاعات ثقافية تتراوح بين تحرير الأفكار تماشياً مع العادات والأصول القديمة أو حبسها تماشياً مع المحافظة الجديدة وصولاً إلى قتلها تماشياً مع الإرهاب،
لم يتأثر الشعر بوحشية المتنازعين، بقي طليقاً، يكتب الحكمة دون حدود، يتخيل عشيقته دون قيود يقولون ان المكان تقوقع وتقيد وأقول: عدا الشعر، الأبيات لا تكترث لمن يعتبرها زندقة أو رحمة، الأبيات ترسم عشيقة، تتحدى القانون وترسم علاقات حرمتها المدنية المحافظة بقي الشاعر حراً لم يخن الصحراء لم يستسلم
فمن يقول ان التطرف يقتل الإبداع؟
أكثر من الشعر معجزة هي الموسيقى هنا تعوضني عن أي اختراع وأي انتصار حرب أتحمل برفقتها أي وحدة تصدح الصحراء، الموسيقى هي الصحراء، يختفي خلفها ضجيج الاتهامات بين التيارات يختفي مع الألحان كل صوت محارب، تختفي الأوجاع والعنصريات تهتز الرمال رقصاً وتوقاً لبدء التحرك والتغيير، والرمال ليست كالطين أو التراب، الرمال لا تخاف الرقص ولا تتردد كثيراً قبل قرار التنقل، الرمال لا تؤمن بالجمود ولا بأغلال المكان هذا ما يميزنا نحن سكان الرمال، الغارقون بالرمال، الموسيقى السعودية بعيدة عن أي انكسار وهزيمة عربية، مازالت طاقة الموسيقار مخيفة تجعل للقصيدة أسلحة ناعمة مرعبة مثل الأنثى.
إيقاعات المكان تستوعب كل الجنون الذي أكتبه بجنون يضاهيه ويفوقه بل وتفاجأني بطلب المزيد من الجنون والجنون، لم تمت الموسيقى رغم تحريمها، لم تخن الصحراء، لم تستسلم.
أما الكرة، فكانت شقية وقوية وقت كنا غارقين بظلمة، لم نكن نحكي كثيراً، لم يكن مسموحاً أن نحكي، أما كرتنا فكانت تصرخ بوحشية تمزق كل نقاط العبور، تدخل الأخضر المونديالات العالمية، ليبدع ويتجاوز الممنوع والمسموح، لولا ما حدث فجأة
انشغل العالم بالإرهاب واشتعلت الدنيا حروباً دينية وطائفية، وبدت الحاجة قوية لاشعال حركة تنوير سعودية تطهر المكان من بدع التسعينات والثمانينات.
وكلما زادت حدة الدعوة للتنوير تقوقعت الكرة واضمحلت، ماذا يحدث؟ أين زمن النشوة والانتصار؟ ألا تتابعي الأخبار؟ ألم يبلغك موت عهد الانكسار؟
فما يبقيك وحيدة خلفنا؟ لا تقولي انه حداد على مجد قاتم مضى، لا تقولي ان قوتك كانت بديلا موقتاً عن ضعفنا.
أين هياجك؟ متى تنهضين؟
أربعة أهداف لاستراليا مقابل هدفين لنا، وخرجنا من كأس العالم، ثلاثة أهداف استرالية بآخر ثلاث دقائق، ثلاثة أهداف خالية من التعقيد والترقب والماسوشية، ثلاثة أهداف باهتة مملة خالية من كل عوامل النشوة.
من أين لك كل هذا الشر؟ كيف تخونين؟
من يعوض دموع الملايين؟ من يعوض الصدمة الوطنية؟ ومئات ملايين الريالات لأجل عيونك القبيحة الوقحة؟ حتى عيونك لم تعد تشبه عيون الصحراء، ليس لها لغة، ليس بها فتنة ولا إغراء، تبدو مستوردة من مدن مسفلتة ليس بها رمال.
بكل سرور، نرحب أن تدخلي معنا ضجيج النزاعات، بكل سرور، نوقع البيانات ونرفع ضدك القضايا، ونعلن موتك بكل سرور.
من أين لك كل هذا الشر؟ كيف تخونين؟
أضف تعليق