أقلامهم

أحمد الديين : لم يتجاهلوا الواقع …وشتان ما بين هؤلاء وبين إسلاميينا..!

الإسلاميون المغاربيون… وإسلاميونا!

أحمد الديين 
 
الفوز الانتخابي الكاسح الذي حققه الإسلاميون في تونس والمغرب لم يدفعهم إلى تجاهل حقائق الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في بلديهم… كما أنّ نشوة الفوز، ليس الانتخابي فقط وإنما الفوز برئاسة الحكومتين التونسية والمغربية،لم تنسهم حقيقة أنّ الواقع السياسي واقع متحرك متغيّر وليس ثابتا، فهم اليوم في مواقع السلطة والقرار وغدا قد يعودون مجددا إلى صفوف المعارضة، والأهم من ذلك كله أنّهم يدركون عدم قدرتهم على فرض أجندة شمولية على المجتمعين التونسي والمغربي تحت ذريعة حصولهم الآن على الغالبية البرلمانية… 
وهذا هو الخطأ الذي وقع فيه بعض إسلاميينابعد الانتخابات النيابية الأخيرة، عندما باشروا إلى طرح مشروعهم لتنقيح المادتين الثانية والتاسعة والسبعين من الدستور؛ واقتراح قوانين تستهدف تقييد الحريات الشخصية والتحكّم في الحياة الخاصة للأفراد… بل نجد جماعة إسلامية رئيسية، مثل “الحركة الدستورية الإسلامية – حدس” التي يفترض بها أن تكون علىدرجة عالية من الواقعية تحاول أن تضع شروطا في اقتراح قانونها في شأن الهيئات السياسية تستهدف حرمان الأحزاب غير الإسلامية من حقّ الإشهار والعمل القانوني!
وإليكم بعض الأمثلة على ما تميّز به الإسلاميون المغاربيون من واقعية وانفتاح على خلاف بعض إسلاميينا الذين اسكرتهم نشوة النصر الانتخابي… ففي المغرب عندما فاز “حزب العدالة والتنمية” الإسلامي بالمركز الأول في الانتخابات النيابية الأخيرة وتمّ تكليف زعيمه عبدالإله بنكيران برئاسة الحكومة فإنّه لم يسع إلى إقصاء الآخرين والانفراد بالسلطة، بل لقد بادر على الفور إلى دعوة أحزاب وطنية وتقدمية ويسارية للمشاركة في حكومته، وبينها الحزب الشيوعي المغربي الذي يحمل اسم “حزب التقدم والاشتراكية”، حيث شارك بأربعة وزراء في الحكومة التي يرأسها الإسلاميون!
وأقتطف هنا أيضا تصريحين سياسيين ينطويان على دلالة مهمة لاثنين من قادة “حزب العدالة والتنمية” الإسلامي الحاكم في المغرب لنقارنهما ببعض ما يصدره المتزمتون عندنا من تصريحات وما يطرحونه من أجندات واقتراحات تحاول فرض السطوة الشمولية على المجتمع الكويتي… 
التصريح الأول لمصطفى الرميد أحد قادة الحزب وأحد أبرز وزرائه حول أولويات الحكومة المغربية بقيادة الإسلاميين الذي قال فيه “لن نخلق لأنفسنا معركة، نعتبرها غير مهمة للشعب المغربي الذي يريد أن نحارب الاستبداد والفساد، ونحقق العدالة الاجتماعية، ونقلّص الفوارق الاجتماعية… المغرب فيه من الحانات والأسواق ما يندى له الجبين، ونحن لا نريد الدخول في معارك هامشية”… 
أما التصريح الآخرفهو لزميله محمد يتيم القيادي في الحزب الإسلامي الحاكم ذاته، الذي أعلن فيه بوضوح أنّ “الحزب لن يخصص أبدا شرطة للأخلاق، ولن يمنع الناس من شرب الخمر، لأنّ هذه مسائل تتعلق بالإيمان والقناعات الشخصية”، وأضاف “نحن في العدالة والتنمية لا نبالي بالحياة الخاصة للأشخاص، وليس من مهامنا التدخل في عقائد الناس ولا في تصرفاتهم… أولوياتنا هي تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمغاربة… وفيما يخص الآداب العامة والأخلاق العامة والأماكن العامة هناك قوانين تنظمها، لكن لن نرغم النساء على ارتداء الحجاب لأنّ ديننا دين تسامح”.
وفي السياق ذاته أمامنا مثال آخر من تونس، حيث سبق لحمادي الجبالي الأمين العام لحركة النهضة الإسلامي التونسي ورئيس الحكومة الحالي أن أعلن في تصريح ذي مغزى لوكالة تونس أفريقيا للأنباء عن موقف حكومته تجاه ارتداء لباس البحر “المايوه” وغيرها من الممارسات قائلا “هذه حريات شخصية مكفولة للأجانب وللتونسيين أنفسهم”!
وكذلك هو النمط الإسلامي التركي، الذي قد يكون الأنضج والأقرب إلى روح العصر من بين الأحزاب الإسلامية في مواقع الحكم… وشتان ما بين هؤلاء وبين بعض إسلاميينا..!