سبر القوافي

ستصبح لاعب كرة قدم

الأطفال : حلاوة الحياة .
أطفالنا يرسمون مستقبلهم في كرّاسة – أوراقها ذات بياض – بألوانهم الخشبية وأفكارهم البريئة ومنهم من يرسمه في خيالاته التي لا حد لها ولا حصر  ،  فلان يحلم بأن يكون طبيبًا وآخر طيارًا وهذا مهندس وهذه مُعلمة وإلى آخر صوت برئ في الفصل ليلقي بحلمه المستقبلي الذي لا يعلم فقد تمر سنوات قليلة تغير مجرى حلمه إلى حلم آخر وتتجدد معه الأحلام  ،  الفضاء رحب والباب مفتوح والإشارة ممنوحة لكل من يريد أن يحلم والآباء والأمهات على دراية بأن الأحلام هي أحلام والأمنيات هي أمنيات ولا تفسر بأن الحلم والأمنية = حقيقة !!
 
عشت مرحلة المراهقة وخرجت من فمها كما خرج أولئك إلى مرحلة ما بعد المراهقة وتسمى الرجولة على ما أعتقد وإن لم يخيب ظنّي  ،  أذكر عندما كنت مراهقًا وساذجًا قلت في ليلة من الليالي للعائلة الكريمة : أحلم بأن أصبح في المستقبل لاعب كرة قدم لكنّهم تلك الليلة لم تكن عائلتي كريمة بل بخيلة وتستمتع بتحطيم القلب ولا تستمع لما ينطقه اللسان ولم يحمّسوني للحلم بل قوبل الحلم بعلامات التعجب وبضع أسئلة عطشى ومستفزة  ،  والدي علّق بسخرية ووالدتي قالت : حسنًا ستصبح لاعب كرة قدم وكأنها على يقين بأن المستقبل لن يحضنني كلاعب كرة قدم بل كمهنة أخرى بعيدًا عن هذه الزاوية  ،  أما الآن فأعتقد أنني أطلقت ذلك الحلم وأنا في حالة من اللاوعي أو أردت أن أقول نكتة فلبس الحلم فستان النكتة !!
الطبيب والمهندس هي مهن حتى لا نختلف وأراها أحلاما بناها هذا منذُ سنوات ولكن شتان ما بين الجاد والهازل فكلاهما ليس وجهين لعملة واحدة  ،  دراسة الطب طويلة وليست بهيّنة إلا على من قوى عليها وأحبّها من الوريد إلى الوريد والهندسة تحتاج إلى ذكاء ودراستها أقل من الطب كما تعلمون وليس هذا المكان شاغرا للشرح وإلقاء التفصيل الممل  ،  لاعب كرة القدم يتقاضى مرتبا ويعيش في مستوى أرقى من الطبيب والمهندس وهو لم يتعلم في الجامعة و المهنة ليست بحاجة إلى دراسة بل إلى هواية ومهارة مع توافر بعض المتطلبات ومن ثم الدخول إلى كوكب النجاح ويا سلام سلّم  ،  الطبيب قبل أن يكون طبيبًا كان طالبًا أرهق نفسه وأتعبها وفقد الكثير من نشاطه وحيويته والكثير من أجل أن يكون طبيبًا والمهندس يشبهه وعلى هذا لاعب الكرة لا يشبههم بل هو بدرجة أقل منهم بكثير ومع ذلك تجد الرفاهية تحيطه ويستطيع أن يعيش حياته كلها بسعادة بعد اعتزاله دون تعب نظرًا لرصيده في البنك الذي يتزايد في المناسبات  ،  خلاصة هذه النقطة وكل النقاط  هو أنني حزين عندما تأتي مقارنة الطبيب والمهندس وأنتم تعلمون حجم تأثيرهما على المجتمع فبعض اللاعبين بل أغلبهم يهتم بالأضواء وقصة شعره والمادة أكثر من تقويم المجتمع والمساهمة في رفعته  ،  أريد وأطالب وأتمنى أن يكون وضع الطبيب والمهندس وتلك المهن الراقية المميزة أفضل من لاعب كرة القدم ويجب أن نقدّرها ونحترمها ونجعلها الرقم الأول وإلا فستجدون معظم أطفال وطني تتعلق قلوبهم بكرة القدم فيحلمون كما كنت أحلم وأقول حلمي لعائلتي الكريمة تلك الليلة !!
 
أبحث عن السر في كل حدب وصوب ولعلّي أعثر عليه  ،  نعم إنه سر هبوط مستوى الطبيب والمهندس عن مستوى لاعب كرة القدم  ،  لا أود الحديث عن مقارنة راتب اللاعب مع راتب المهندس والطبيب لكيلا أخرج عن المسار الذي أود أن أتحدث فيه  ،  أريد السر أو الأسرار التي تجعل لاعب كرة القدم يستلم مرتبا ويسكن أفضل من الطبيب والمهندس  ،  يا ترى ما هي ؟
 
الفقراء في أنحاء الأرض يتخذون كرة القدم تجارة  ،  تجد ميولهم وأحلامهم وأمنياتهم تتبخر وتتجه إلى الملعب حيث لعب كرة القدم وجني الأموال من خلفها ولا تدري لعل يحدث ما لا يتوقع وما لا يكون في الحسبان  ،  الفقير الذي ملّت يداه من طلب الناس يتجه مباشرة إلى لعب كرة القدم ويجرّب حظه معها وربما يصبح مرتبه أكثر من الطبيب !!
 
في النهاية لن تجدوا هذه الخاتمة سعيدة ولن تجدوني ألوح لكم مودعًا على امل اللقاء ولا تفكروا بمهنة كرة القدم بعد قراءة هذه السطور بل فكروا بحال لاعب كرة القدم مقارنة بالطبيب والمهندس وأنا متأكد لن يذهب جهدهم وتعبهم وغيره إلى الفراغ .
 
@FaisalBinKhalaf تابعني على تويتر