سبر القوافي

سجادة جدتي

السجادة والصلاة تجد بينهما علاقة مشتركة في الحروف وأيضًا في ثقافة المُكمّل , بإمكانك أن تصلي على أي بقعة شريطة أن تكون طاهرة , السجادة بداخلها تجد كل الأسئلة وكل الحاجات وكل الأحاديث , السجادة لا تتحدث ولكنها تستمع بعمق شديد إليك عندما تكون طاهرا نقيا وتدعو ربك ساجدًا , أحب أن أصلي لأنني أحب الراحة وأحب السجادة لأنني اعتدت عليها وهي تحميني ولا تشتكي من وقوفي عليها لدقائق أو مِن سوء الأرضية آنذاك.
 
الروائح بإمكانها أن تعيدنا إلى الخلف قليلاً أو كثيرًا , البعض يمتلك ذاكرة ليست مثقوبة وهي قوية ولا ألوم من يحسدها وأنا من ضمن أولئك البعض , نشمّ رائحة عتيقة نتذكر عبرها الماضي في لحطة ننسى أننا نبني للمستقبل على حساب الحاضر , بعض الماضي جميل وبعضه الآخر قبيح وبينهما أشياء , جدتي أستطيع أن أشمّ رائحة عطرة طيبة من فمها .. عبارات وأحاديث تروي ظمأ المسامع المؤمنة وأعني بذلك كلامها المتوجه إلى الله وتلك الجُمل المَبنية للآخرة.
 
هنيئًا للمحافظين على صلواتهم , جدتي كانت ولا زالت إلى يومك هذا حريصة على أداء الصلاة في وقتها , أنا أتخذها مثالا لأنني ببساطة تأثرت منها , من حقي أتأثر فكلنا بشر وجدتي طاعنة في السن وذهب أكثر عمرها ومع هذا لم تتكاسل عن أداء الصلاة ولك أن ترى شبابنا يلعبون الكرة في بجانب المسجد ولا يصلون بحجة أن المباراة لم تنتهي أولئك ليس لديهم والٍ ولو كان لم كان الذي كان وهم شباب وبإمكان النشاط والقوة أن يكونا تعريفًا مختصرًا لشباب , جدتي تصرخين وتنادينا عندما ينادي المؤذن المصلين , أتوقف عاجز عن وصف كيفية صلاتك فحتى السنن لا تتخلين عنها وتصلين بأي طريقة كانت ولا تبحثين عن الأعذار.
 
جدتي السطور هذه لا تغني كثيرًا ولا تشبع رغبة القارئ ولكن المساحة لا تسمح وممنوع أن أتجاوز الممنوع , جدتي أنا أحبكِ كثيرًا وأشتاق إليكِ كما تشتاقين إلى الصلاة المقبلة , أناديك يا جدتي قليلة وأنتِ كثيرة بأعمالك الصالحة وأنا أشهد على ذلك والصلاة من ضمن تلك الأعمال التي لا تقبلين الكلام فيها ما دام أن ثمة ثوابت في داخلك عنها ولا يمكن أن تهتز وتخشين الله وتخافين عقابه إنه شديد العقاب , جدتي الصلاة تفرحين عندما يأتي وقتها وتحزنين عندما تذهب لمجرد ذهابها , هذا نقيض لحال الكثير منا مع الآسف وهم المتعلمون الذين سبق وأن وردهم العلم والنذير وأنتِ لم تدخلين المدرسة فسبحان الذي خلق وفرق.
 
تجمع جدتي مع السجادة علاقة وطيدة جدًا يغمرها الحُب ويسكنها الوفاء ويحرسها الود , جدتي لا تصلي في اليوم إلا أكثر من خمس صلوات بمعنى تضيف على الصلوات المفروضة صلوات أخرى , هي تبني كل يوم بيت في الجنة , أهل الجنة يختلفون عن أهل الدنيا وبالمناسبة أقول : لا تكن مع أهل الدنيا وهذه نصيحة من ألماس !
 
طالما ضحكت من جدتي وألقيت عليها – مازحًا – تعليقات ساخرة على قلبها الشاسع مساحته والذي يتحمّل ويحمل كل الأشياء الخفيفة الوزن والثقيلة , كانت تنادي الله بعد كل صلاة بنداء ( يا حي يا قيوم ) وسرقت هذه العبارة منها بعدما سمعت جزائها في الإذاعة , الغريب أنني كنت أسخر منها عندما كانت تقولها لأنها تخرج من فمّها كالفاكهة الحديثة النضج جميلة وتسرق الأنظار , تبادلني بالابتسامة وأنا أضحك وأمزح وأسخر لأنني أراها من أقرب الناس إلى قلبي ومن أقرب الناس إلى ربي.