برلمان

في تحليله "حكومة قصيرة.. ومجلس طويل"
صالح السعيدي:الغطاء السياسي للرئيس.. ولا يشمل الوزراء

تحليل سياسي



حكومة قصيرة.. ومجلس طويل



الغطاء السياسي للرئيس ولا يشمل الوزراء



صالح السعيدي



بعد مرور شهر كامل على تشكيل حكومة الشيخ جابر المبارك المقابلة لمجلس أمة جديد تسيطر عليه كتل نيابية قادت لواء المعارضة للحكومة السابقة، ما الطريقة التي تفاعلت بها القوى السياسية الكويتية مع التغيير الجاري في رئاسة الحكومة؟ وما مدى تأثير مخرجات مجلس 2012 على العلاقة مع رئيس الحكومة الجديد؟ وكيف تتصرف حكومة الشيخ جابر مع الواقع السياسي الحالي، وكيف تتعامل مع تركة التحالفات السياسية التي ورثتها عن حكومة الشيخ ناصر المحمد؟



وهل من تغيير ظهر على تكتيكات الحكومة الجديدة؟ وما ملامح الأدوار السياسية الجديدة لحكومة الشيخ جابر المبارك؟



 



خلفية المشهد



في تفاصيل الصورة العامة للمشهد السياسي الكويتي، بدا واضحاً أن ثمة تغييراً شاملاً وجذرياً قد وقع، وأن ثمة تحولات سياسية عميقة قد حصلت، وأن هناك تغييرات تمت وتبدلات حدثت في مواقف النواب، ومن ورائهم القوى السياسية التي يمثلونها.



هذا التغيير الشامل والعميق قد أنتج حالة من «اضطراب في الهوية السياسية» لدى نواب مجلس الأمة 2012، في ما يتعلق بالعنوان السياسي للنواب الذي يتبنونه، والشارة التي يحملونها، والمواقف التي يتخذونها مع أو ضد سياسات الحكومة، فتحولت المعارضة السابقة إلى موقع المساندة للحكومة الجديدة، وتبدل موقع الموالاة للحكومة السابقة إلى معسكر المعارضة والمناكفة للحكومة الجديدة.



ويتضح من متابعة القواعد السياسية التي تتبعها الحكومة الجديدة إزاء هذه الواقع السياسي المستجد والمختلف عن سابقه، أن الإطار الاستراتيجي الذي يتحرك رئيس الوزراء في محيطه وجواره يتأثر سلباً بضعف هوامش المناورة والمبادرة أمام فريقه الوزاري، نتيجة لضعف الغطاء السياسي لتشكيلة الحكومة ومكوناتها، وذلك بسبب ضعف التمثيل النيابي في مكونات حكومة الشيخ جابر المبارك الحالية.



 الأضداد والأحلاف



هذا الوضع الجديد في مسارات العلاقة بين الحكومة ومختلف الأطراف الفاعلة داخل المجال السياسي أنتج معادلة مرتبكة ستلقي بظلالها على واقع العلاقة مع كتلتي الأغلبية والأقلية داخل المجلس على حد سواء، وعنوان هذه المعادلة وقوامها هو أن الغطاء السياسي المتوافر هو فقط لرئاسة الشيخ جابر المبارك ولضمان استمرار رئاسته للحكومة. وبناء عليه، فإن الغطاء السياسي لا يشمل ولا يمتد إلى وزراء حكومته الذين لا يمتلكون الحصانة من المساءلة النيابية حتى من كتلة الأغلبية النيابية ذاتها.



وعليه، فإن هذه المعادلة الحاكمة للمشهد السياسي الكويتي خلال المرحلة المقبلة سيقع تأثيرها المباشر والمحسوس على طبيعة الاستجوابات التي قدمت أو التي ستقدم حالياً أو لاحقاً.



فكتلة الأقلية سوف تحتكر الاستجوابات التي قدمت أو سوف تقدم لرئيس الحكومة، فيما ستستأثر كتلة الأغلبية بالاستجوابات التي سوف تقدم لوزراء الحكومة خلال المرحلة المقبلة.



ومحرك هذه الاستجوابات المنتظرة لكتلة الأغلبية هو أن بعض وزراء الطاقم الحكومي يثيرون من الإشكاليات والحساسيات مع مطالب الرأي العام المحلي، ومع بقية القوى السياسية المتحالفة، أكثر بكثير مما يقدمونه لخدمة الحكومة وبرامجها، وبالتالي يسهل استهدافهم بالقدر نفسه الذي يسهل إسقاطهم أو التضحية بهم، ويضمن استمرار كتلة الأغلبية باستعمال أداة الاستجواب على نحو مركز ومحدد.



أهداف المرحلة



الهدف من أسلوب التدرج ونظام المزاوجة هنا واضح، تكتيكياً واستراتيجياً، فعلى مستوى التكتيك، فإن ذلك يهدف إلى بقاء الحكومة لأطول فترة ممكنة في الحكم، ومع أقل مستويات التخاصم داخل مربعات النظام، ومع أدنى درجات الصدام مع مكونات المجال السياسي.



واستراتيجياً، التمكن من مشاغلة مراكز قوى متنوعة وأقطاب متضررة خرجت من الساحة تحاول الانقضاض على حكومة الشيخ جابر المبارك، إضافة إلى الرهان على عامل الوقت حتى تنضج الظروف الموضوعية لإنتاج قواعد تحالف جديدة وخطوط إمداد سياسية، عن طريق تحييد الأطراف المحسوبة على أقطاب متضررة من استمرار الحكومة الحالية، وعبر سلسلة من المواجهات الناجحة للاستجوابات المنتظرة التي سوف تقدم لرئيس الحكومة، وبعد القيام بنزع كل المكاسب السياسية والإعلامية التي يتوخاها مقدمو الاستجواب، وإفراغ الاستجواب من إضافة أي رصيد لمقدميه. وهذا السياسة تبدت من استعداد رئيس الحكومة لصعود المنصة في جلسة علنية، وهو ما يعزز من وضع رئيس الحكومة، إضافة إلى تجنب تحويل الاستجواب إلى المحكمة الدستورية أو إلى لجنة تحقيق أو جعل جلسة الاستجواب سرية. وهو ما يفيد كتلة الأغلبية البرلمانية سياسياً، وينسجم مع مبادئها وتقاليدها السياسية مع الاستجوابات السابقة، وهو سيؤدي إلى اطالة عمر المجلس على حساب عمر الحكومة.