آراؤهم

رسائل النظام الخاطئة

دأب النظام السوري منذ تفجر الثورة السورية على افتعال أحداث هدفه منها إرسال رسائل إلى المجتمع الدولي يدغدغ فيها مشاعره المعادية للإرهاب، فمنذ الساعات الأولى لانطلاق الثورة وهو يصور نفسه على أنه ضحية للإرهاب ولعصابات مسلحة هبطت على سورية من كل حدب وصوب، مخترقة حدود الوطن وسياج الحمى من دول الجوار، وأنه يعمل على ملاحقتها والقضاء عليها بكل وسائل القوة التي يملكها، وفي كل مرة كان يطمئن الأصدقاء بأنه في طريقه لتجفيف أصول هذه المجموعات المسلحة، ويناشد العالم منحه المزيد من الوقت ليتمكن من القضاء على هذه المجموعات الإرهابية التي تمثل خطراً حقيقياً ليس على سورية فقط بل على دول الجوار والعالم.
لم يفلح النظام في تسويق مثل هذه الدعاوي الكاذبة رغم ما جيش لها من أبواق وشبيحة داخل البلاد وخارجها، وما قُدم له من دعم قوي من طهران والضاحية الجنوبية والمنطقة الخضراء وموسكو وبكين، فقد وجدت هذه القوى أنها تراهن على نظام لا يمتلك الحد الأدنى من العقلانية والمصداقية والاستماع للنصائح والعمل بها، وهذا دفع هذه الأطراف إلى التقليل من علاقتها بهذا النظام أو الوقوف إلى جانبه، فهذا المالكي يتنصل من توفير أي ممر لتزويد النظام بالسلاح والعتاد الذي قيل أنه يأتي من إيران ويعبر الأراضي والأجواء العراقية إلى الأراضي السورية لدعم النظام لقمع شعبه المنتفض المطالب بالحرية والكرامة، وهذا حسن نصر الله يطالب طرفي الصراع في سورية “النظام والمعارضة” للتحاور ووقف شلال الدم، وكان حتى الأمس القريب ينفي وجود أي معارضة في سورية، مردداً ما يقوله النظام بأن ما يجري في سورية هو مؤامرة كونية وراءها واشنطن ولندن وباريس وتل أبيب وأنقرة والدوحة والرياض، ومجموعات إرهابية تعمل على تعكير الأمن وإشاعة الفوضى في البلاد، وأن القصف الذي تعرض له حي بابا عمرو في حمص هو كذبة كبرى وفبركة من فبركات محطة الجزيرة الفضائية القطرية، حيث كان بعض المندسين والعملاء يحرقون إطارات السيارات فوق أسطح البنايات ويصورون هذا الدخان على أنه قصف تقوم به مدفعية ودبابات وطائرات النظام، وهذه موسكو وبكين تعلنان عن دعم المبعوث الدولي كوفي عنان ودعم المبادرة العربية وتأمين المساعدات الدولية الإنسانية ومطالبة النظام بوقف العنف فوراً، وقد أبرمت موسكو اتفاقاً بينها وبين الجامعة العربية للسعي إلى وقف العنف في سورية ودعم المبادرة العربية والجهود الدولية، في حين راحت بكين تبعث بكبار سياسييها إلى المنطقة للاستماع إلى رأي العواصم العربية المهمة في هذه الأزمة والتعامل معها بجدية، وحتى طهران فقد انقسم الشارع ومراكز القوى فيها حول موقف أحمدي نجاد المنحاز إلى النظام السوري القمعي في مواجهة الشعب السوري المنتفض، وهذا الموقف يناقض شعارات الجمهورية الإسلامية التي تدعو إلى الوقوف إلى جانب الشعوب المظلومة، كما فعلت بوقوفها إلى جانب الثورة التونسية والثورة المصرية والثورة اليمنية.
لقد افتعل النظام في 25 ديسمبر من العام الماضي تفجيرات في بعض مراكزه الأمنية غداة وصول المراقبين العرب بقصد دعم روايته من أن هناك جماعات إرهابية في البلاد، وأن هناك خطراً محدقاً بهؤلاء المراقبين مما يستدعي عدم تحركهم إلا بصحبة الأمن للحفاظ على حياتهم، وبالتالي سيطرته على تحركاتهم وعرقلة عملهم والحيلولة دون وصولهم إلى المناطق الملتهبة والمنكوبة، وبالتالي إفشال عمل تلك اللجنة لأنها ستكون أسيرة بيد النظام يوجهها حيث يشاء في الزمان والمكان الذي يريد، وبالفعل أخفقت اللجنة حيث قدم الكثيرون من أعضائها استقالاتهم وغادروا سورية، وقام بعضهم بفضح النظام وممارساته القمعية بحق شعبه، ثم ما لبثت الجامعة العربية أن ألغت اللجنة وأوقفت أعمالها.
ويوم السبت 17 مارس قام النظام بنفس اللعبة الممجوجة والمستهلكة، حيث أقدم على تفجيرين مفتعلين في دمشق العاصمة، الأول استهدف”إدارة الأمن الجنائي” والثاني استهدف “إدارة المخابرات الجوية”.
وجاءت هذه التفجيرات قبل يوم واحد من وصول بعثة أممية إلى دمشق لبحث تفاصيل آلية نشر مراقبين دوليين وكيفية تنفيذ المقترحات الأخرى للمبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي عنان، الذي صرح، بعد لقائه رئيس النظام السوري بشار الأسد في دمشق، بأن ما سمعه من القيادة السورية مخيباً للآمال، بهدف إعطاء انطباع للجنة الدولية أن النظام ضحية لمجموعات إرهابية وأن ما يقوم به من قمع وممارسات لا إنسانية بحق شعبه يستهدف هذه المجموعات الإرهابية، وتجنيب البلاد الفوضى والحرب الأهلية والتقسيم.
النظام السوري الذي أخفق في رسائله الأولى التي بعث بها إلى الجامعة العربية والمراقبين العرب، سيخفق ولا شك في رسالته الأخيرة التي يبعث بها إلى المجتمع الدولي المتمثلة بشخص الموفد الدولي والعربي كوفي أنان والبعثة الدولية المنتظر وصولها إلى دمشق يوم الأحد 18 مارس، فقد أجمعت كل التعليقات من المسؤوليين والمراقبين والمحللين الدوليين والعرب براءة القاعدة من هذه التفجيرات لخلو سورية من عناصرها، ونفت المعارضة السورية والجيش السوري الحر أن تكون وراء هذه التفجيرات، لأنها ترفض مثل هذه الأعمال الإجرامية، وأن قدرتها المتواضعة في امتلاك مثل هذه الخبرات وهذه الادوات وهذه الكميات من المتفجرات تؤكد عدم علاقتها بمثل هذه التفجيرات، وبالتالي فإن أصابع الاتهام توجه إلى أجهزة الأمن السورية التي تجيد مثل هذه الأعمال ولها سوابق كثيرة، كانت ساحتها بغداد وبيروت وغيرها من المدن العراقية واللبنانية. وقد أعلن نوري المالكي رئيس وزراء العراق تورط النظام السوري في العديد من مثل هذه التفجيرات التي كانت تقع في بغداد، وهدد أكثر من مرة بتقديم شكوى للأمم المتحدة ضد سورية إن لم تتوقف عن إرسال السيارات المفخخة إلى العراق، أما التفجيرات في بيروت التي استهدفت رجالات لبنان أمر مسلم به بأن النظام السوري كان وراءها بطريق مباشر أو غير مباشر.
أخيراً أقول للنظام السوري وقد شارفت سفينته على الغرق أن يستغل الفرص الممنوحة له في حزم حقائبه والفوز ببقايا سرقاته والرحيل عن الوطن الذي اتسع الجرح فيه حتى وصل العظم، مع اعتقادي الجازم أنه ليس بين طاقم هذه السفينة رجل عاقل أو رشيد، فلا منجاة له إذا ما ماطل ولم يستغل هذه الفرص، فقد فعل ذلك قبله مجرم ليبيا فنال ما يستحق ودفع الثمن حياته، وهذا ما ينتظر سفاح سورية وعصابته إذا ما استمرأ المماطلة وراهن عليها!!