كتاب سبر

ملتقى الغرباء !


هو هذا المكان, المزدحم بأشكال غير متجانسة, بالتصاق يتأرجح من المد والجزر, مثلما رغبة أصحابه!

كلهم يجلسون معاً كل يوم, يُلقون تحايا الصباح ويُلَـقّونها بأصوات متشابكة لا فاكّ لنبراتها سوى أن يتوقف أحدهم عن الحديث, كرهاً!

مكانٌ, اختلطت فيه روائح الندى النقية من فوق وريقات زهرة منتقاة بحذر لئلا يُمس خِدْرها, بمخلفات دخان سجائر على وجهٍ تعِبَ من هوانه على احتمال اللهب, وروائح الملل المنبعثة من الأجساد الفائقة الاستسلام, ورائحة أخرى لأثر عطر عربي تعلق بأناملٍ غضة خجِلة من أن يستنشقها المارة العابرون بلا أن تؤتى أجرها !

كل تلك الروائح, خلفت بيئة ملوثة الهواء, ولا تقدر أعتى الـ ” فلاتر” الألمانية الصنع على تنقيتها !

غرباء في مكان واحد, لا يعرف أحدهم ماذا يحب الآخر من مأكل ومشرب وملبس ! لا يدري إن كان موجوداً حقيقة بلباسه, أم عارياً يتمطى متنقلاً بين حكايات الشروق والغروب, متسلقاً شرقية تارة, وتارة غربية !

يتجادلون في كل شاردة, ويتنادوَن لكل واردة ! ولا يتفقون إلا قليلاً ! ولا يضحكون إلا رمزاً ! وأعينهم معلقة بهراء, مسيرون مغرر بهم طوعاً !

يحبون الحياة مثل حب المجاهد للموت, ويسعون طلباً لطمس ذاكرة الأشياء, قد تدب الحركة بالإرغام ! بحرفٍ ذبيح مشتت يعلم أنه كذاب أشر !

وفي هذا المكان, هناك غرف خاصة, للقاءات حميمة, وغالباً لا تكون لقاءات ضرورة بل هي العلاقة بين الحاجة والاختراع !

فإذا ضاقت الساحة العامة بما رحبت على البعض, تغامزوا للجوء إلى الخاص, حيث الحديث البعيد عن الرقابة, والأكثر ليناً ومجونا ! والأشد وطأة على الجموح ! والأعمق نداءً للرغبة الملقاة على كاهل الرزانة !

ثم بعد أن يقضي كل من الآخر أمرا, يخرجون لأهل الغرف, ويجلسون مع العامة ويتحدثون بكل الأكاذيب والتلفيقات المعتادة ! يحرضون ويتباكون ويُكفِّرون ويحرقون أعلاماً ويقاطعون بلداناً ! ويظنون أنهم كلهم هنا أصدقاء! والمذنبون موقنون أن لا أحد يدري أنهم خرجوا للتو من العزلة! يجهلون أن للذنب رائحة تختلط مع مخارج الحروف, فتشي بصاحبه ! أغبياء وأنقياء اختلطوا في هذا المكان, فلا فرق !

نسوا, أو أرادوا النسيان, أنهم ليسوا أصحاباً, بل مجموعة من الغرباء جمعهم قطار عام, وتجاوروا وتبادلوا الحديث لقتل الوقت , لا أكثر ! علاقة محطات !

وقبل أن يغادر كل لشأنه, يتبادلون الأمنيات بأحلام سعيدة, ما أبرد تلك الحروف المتراصة قسراً, فقط لأنها مضطرة أن تجاري موجاً عالياً ما قدرت أن تعلوه فطأطأت له هامتها !

هذا المكان, ملتقى الغرباء, هو ما يسمى بـ ” تويتر ” !

يزينونه بالعلامة التجارية ” وسيلة التواصل الإجتماعي ” ! بل هو وسيلة لقطع أوصال التواصل المباشر وإحالته إلى “هولوكوست” العشوائيات !

فكم من ” دفء ” تسبب “ملتقى الغرباء” بحرقه ؟!



twitter@kholoudalkhames


أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.