أقلامهم

خالد القحص: المناكفات هي السبيل الوحيد لتفاهمنا

صمت الغربان!

د.خالد القحص
الأصوات المزعجة منفرة، وتدخل الكآبة الى صدرك، والضيق الى فؤادك، بينما الأصوات العذبة، تدخل الهدوء الى قلبك، وترسم السعادة على ثغرك، وتنشر السكون من حولك، لذا يأتي التوجيه القرآني على لسان لقمان لابنه «واغضض من صوتك، ان أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ».الصوت العالي الصخاب لا يقلب الباطل حقاً، ولا يزيد النور نوراً، ولا يقنع المتردد، أو يجذب المبتعد، لكنها ثقافة شعبية ارتبطت لدى الناس، بأن الصوت العالي ارهاصة الى ان الحق معك.
في اعلامنا الخاص (بصحفه وفضائياته) يوجد الكثير من الأصوات الصاخبة والناعقة والمزعجة والمنفرة والقاذفة والشاتمة والشامتة والكاذبة والفظة والغليظة، وقد آن لها ان تصمت قليلاً، وان تسمح للهدوء بأن يعود مرة أخرى، وللسكون بأن يؤوب لمكانه، فالتفكير لا يقدح الا بالهدوء، والحكمة لا تنبع الا بالسكون، ولذا تجد الخطاب الاعلامي لدى البعض يفتقد الى التفكير والحكمة والمنطق.
صمت بعض الغربان، زادنا ولم ينقصنا، وأعطانا ولم يأخذ منا، وكان لنا لا علينا، انه صمتٌ يستحقه الوطن، وتوقفٌ تستحثه المصلحة العامة، وهي فرصة لنلتقط أنفاسنا، ونجمع شتاتنا، ونرتب أوراقنا، لكي نعرف طريقنا، ونكمل بناءنا، ونعلي شأننا.
حديث الغربان، شوه المسيرة الجميلة للاعلام الكويتي، وبدأ حين بدأ باللحمة الوطنية، فطفق يعلمنا كيف نستخرج الأخطاء السبعة في الآخر، حتى بات الكويتي لا يشبه الكويتي، وحتى غدا المواطن ينكر المواطن.انه حديث الافك الاعلامي الذي يتمنى ان تشيع الفرقة بيننا، وان نركن الى التشرذم قليلاً، نستظل بها من لهيب الشعور بالضعف، وما علموا ان اللهيب يتبعه اللهيب، والشرارة متى ما انقدحت، لن تبقي ولن تذر، ولذا كنا، ومازلنا، نحذر من صبر من بيدهم القرار (بعد الله سبحانه) على ما يحدث، فليس صحيحاً ان نترك الغربان تستفز أسوأ ما في الناس من قبلية وطائفية وفئوية، ثم نقول لهم: لديكم القانون، فلوذوا به، فليس كل شيء يُدرك بالقانون، وليس كل شيء يحميه القانون، وليس كل الأسئلة، يجيب عنها القانون، فهناك روح القانون، وهناك الأمن الوطني، وهناك الاتعاظ بالتجارب البشرية، وهناك استشراف المستقبل، وهذه كلها لا يفقهها القانون، ولا ينبغي ان يدلي فيها القانون رأيه.هذا ما نراه، أو ان لم يكن لكم بدٌ من القانون، فعليكم، اذن، بتعديل القانون ليستوعب المستجدات، ويحتوي المتغيرات، ويحيط بالتطورات.
من الخطورة بمكان ان يكون العناد هي اللغة الوحيدة التي نجيدها، ومن الغريب ان تكون المناكفات هي السبيل الوحيد لتفاهمنا، نجد العناد والمناكفات في السياسة والاقتصاد والاجتماع وحتى في الدين، أنا لا أبحث عن المثالية هنا، ولا أتحدث من برج عاجي لا يدرك الواقع، بل أدرك جيداً الأمور وطبائعها، وتدافع الناس في المجتمعات، وصراعهم في كل آن وحين، فلقد قرأت التاريخ، ورأيت ان الأمور لا تدوم كما هي، لكني أفهم أيضاً ان الانسان بامكانه ان يتنبه لما يدور حوله، ويكون مرناً بما فيه الكفاية، مما يسمح له بالتعامل مع مستجدات الأمور، لكن ليس يصلح ان تتعامل مع الأمر وكأنه ثابت لا يتغير ولا يتحور، فالجمود دائماً يكون حالة غير طبيعية، لأن الكون كله يتحرك، حتى الجماد نفسه يتحرك بذراته.
لا، لن نحزن حين يسكت البطالون، ولن نفتقد الغربان حين تصمت،، لأنه حين تصمت الغربان..يحل الهدوء!