أكد ناشر جريدة ((سبر)) الإلكترونية الزميل سعود العصفور أن المستقبل على المدى البعيد سيكون بلاشك للصحافة الالكترونية باختلاف أشكالها، في ظل تصاعد تكلفة الطباعة الورقية نتيجة لعوامل اقتصادية وبيئية عدة، مبيناً أنه كلما تطورت التكنولوجيا التي تستخدمها الصحف الالكترونية اتسعت الهوة بين هذين النوعين من الصحف لمصلحة الصحافة الالكترونية.
جاء حديث العصفور ضمن تحقيق صحافي أجرته جريدة القبس حول مستقبل الصحافية الألكترونية والورقية في الكويت واستضاف عدداً من الإعلاميين ورؤساء التحرير، حيث قال العصفور إن الصحف الالكترونية كثيرة لايمكن الإشارة إليها بعدد معين غير أن الجاد مها لايتجاوز الخمس أو الست.
وذكر العصفور في سياق حديثه أن بداية الصحافة الإلكترونية في الكويت تعود إلى ما قبل 12 عاماً عندما انطلقت جريدة حدث الالكترونية، في حين أن أولى المحاولات الجادة التي خلقت وجوداً مؤثراً نافست فيه الصحف التقليدية فكانت مع انطلاقة جريدة الآن في عام 2007، مشيراً إلى أن عدد الصحف الالكترونية المحلية حالياً كبير من دون رقم معين يمكن تحديده، في حين أن المحاولات الممكن وصفها بالجادة لخلق صحافة إلكترونية محلية لا تتعدى الخمس أو الست صحف إلكترونية محلية.
وأضاف: مما لا شك فيه أن الوسائل الالكترونية بمختلف أشكالها وأساليبها بدأت في أخذ حيز من الحصة الإعلانية التي كانت تستهدف الصحف التقليدية، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل مهمة من وجهة نظر المعلن وعلى رأسها القدرة على تحديد متلقي الإعلان بحسب الموقع الجغرافي والعمر والجنس والاهتمامات، وهذا أمر غير سهل تحقيقه بتكلفة معقولة في الصحف التقليدية، كما أن انتشار وسائل الاتصال مثل الهواتف النقالة وأجهزة التابلت وغيرها سهّل من وصول الإعلان الالكتروني إلى عدد كبير جدا يفوق نظيره لدى الصحف الورقية التقليدية.
وأكد العصفور أنه رغم التوسع المتزايد في حجم سوق الإعلان الالكتروني، إلا انه لا يزال ناشئاً إذا ما قورن بالسوق الاعلاني في الصحف التقليدية، فحجم الطلب عليه في السوق المحلي لا يزال، رغم تصاعده، متواضعاً مقارنة بحجم الطلب على الإعلان الورقي، لذلك لا تزال أسعار الإعلان الالكتروني مغرية جداً مقارنة بسعر الإعلان الورقي، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن ظهور وانتشار الصحف الالكترونية غير كثيراً من وضع المنافسة بالنسبة للصحف التقليدية، فبعد أن كانت تتنافس مع التلفاز والإذاعة دخل لاعب جديد في المنافسة على الحصة الإعلانية يقوم بالدور ذاته الذي تقوم به الصحيفة التقليدية ولكن بمميزات أفضل بالنسبة للقارئ من حيث سرعة نشر الخبر والتفاعلية مع القراء والقدرة على استهداف شرائح إعلانية أكثر دقة.
ورأى العصفور أن المستقبل على المدى البعيد سيكون بلاشك للصحافة الالكترونية باختلاف أشكالها، في ظل تصاعد تكلفة الطباعة الورقية نتيجة لعوامل اقتصادية وبيئية عدة، مبيناً أنه كلما تطورت التكنولوجيا التي تستخدمها الصحف الالكترونية اتسعت الهوة بين هذين النوعين من الصحف لمصلحة الصحافة الالكترونية.
ويتابع حديثه قائلاً: لذلك على الصحف التقليدية من الآن أن تفكر في الاستثمار في الجانب الالكتروني بشكل واسع وألا يكون دورها مقتصراً فقط على وجود نسخة الكترونية مطابقة لنسختها الورقية، بل يجب أن تكون لديها صحافة الكترونية تفاعلية متكاملة قائمة بحد ذاتها حتى لا تجد نفسها في المستقبل معرضة للتوقف بسبب عدم قدرتها على مواكبة احتياجات القراء ومتطلبات السوق.
ونقلت جريدة القبس كذلك حديثاً لبعض المسؤولون في صحف يومية حول تلك المعادلة التي رأوا أنها تكاد تكون مفقودة لدى معظم الصحف الورقية في الكويت، البالغ عددها حالياً 17 صحيفة يومية (14 عربية و3 إنكليزية)، فمعظمها هي مؤسسات خاسرة تجارياً، وبشكل خاص منذ بدء تداعيات الأزمة المالية العالمية في 2008 وما تسببت فيه من شلل أصاب أعمال كثير من الشركات المحلية، لا سيما في قطاعي الاستثمار والعقار، مما أثر سلباً في إيرادات الإعلانات التي تشكل العصب الرئيسي لإيرادات الصحف. حتى إن الصحف القليلة التي ما زالت تحقق أرباحاً، ولا تتعدى 3 صحف يومية، فقدت أكثر من نصف الأرباح السنوية التي كانت تحققها في سنوات ما قبل الأزمة.
وتحدث هؤلاء عن تحد آخر واجه الصحف التقليدية، هو دخول المواقع الإخبارية والصحف الإلكترونية ومواقع التواصل الإلكتروني والخدمات الإخبارية عبر النقال على الخط، مما ساهم في فقد الصحف الورقية حصة من الإنفاق الإعلاني توجهت لوسائل الإعلام «أونلاين»، قائلين إن المستقبل ينبئ بما هو أسوأ للصحافة التقليدية إذا لم تتحرك بشكل فاعل، سواءً لناحية التغيير في المحتوى، ليكون متخصصاً وأن تكون صحافة رأي وتحليل ونقد لا صحافة خبر، أو الاهتمام بمواقعها الإلكترونية لتكون مواقع تفاعلية تستطيع أن تواكب التطور الحاصل في الصحافة الإلكترونية، لا سيما أن الجيل القادم هو جيل الإنترنت.
ومن التحديات الأخرى التي تطرق إليها مسؤولون في صحف تحدثت إليهم القبس، غياب المنافسة الشريفة وسياسات كسر الأسعار والإعلانات المجانية التي تنتهجها بعض الصحف، مما أثر في إيرادات الصحف بشكل كبير.
تفاصيل هذه الآراء، وأمور أخرى عدة تتعلق بمستقبل الصحافة التقليدية والإلكترونية في الكويت، تجدونها في التحقيق التالي:
يقول رئيس تحرير الزميلة «السياسة» أحمد الجارالله إن قانون المطبوعات والنشر لا يحوي عيوباً سوى فتحه المجال لإصدار صحف جديدة في وقت غير مناسب، موضحاً أنه كان من الأجدى تحويل الصحف القديمة المملوكة لأشخاص إلى شركات مساهمة، بحيث يصبح القارئ للجريدة مالكاً فيها، وتأجيل السماح بإصدار صحف جديدة إلى مرحلة مقبلة.
ويضيف ان بداية صدور الصحف الجديدة صادفت نشوب الأزمة المالية في عام 2008، ليصطدم بعض الملاك الذين كانوا يظنون أنهم دخلوا بئر نفط، وبدأوا بعدد صفحات كبير وتوزيع كميات كبيرة من صحفهم مجاناً، بأن تلك المصاريف الهائلة لم تؤت أكلها، إذ لم يقابلها مردود إعلاني يذكر، يستطيع أن يغطي، ولو جزءاً يسيراً من تلك المصروفات، لذلك توقفت 3 صحف عن الصدور، بينما قلصت صحف أخرى من عمالتها ومن رواتب موظفيها، وكذلك من عدد صفحاتها لتقليل المصروفات.
ويرى الجارالله أن تأثير المنابر الجديدة في الصحف القديمة لم يظهر في الجانب الإعلاني، حيث إنها لم تستطع أن تأخذ نسبة مؤثرة من الإنفاق الإعلاني، بيد أن تأثيرها كان في ارتفاع أجور المحررين إلى مستويات مرتفعة، بعد أن عمدت إلى مساومة محررين من الصحف القديمة للعمل لديها وإغرائهم برواتب عالية، مما زاد من حجم التكاليف التشغيلية.
ويؤكد أن مواقع التواصل الإلكتروني والصحف الإلكترونية في المنطقة، ومنها الكويت، لم تستطع أخذ نسبة مؤثرة من حصة الصحف الورقية حتى الآن، قائلاً إن القارئ ما زال يفضل الوسيلة الإعلامية التي يستطيع أن يطلع عليها في أي مكان يتواجد فيه، في حين إن المواقع الإلكترونية هي التي تقرر لك أين يمكنك الاطلاع عليها، أي في المكان الذي تتواجد فيه خدمة الإنترنت، إضافة إلى ما تحويه الصحافة الورقية من تغطية أوسع للخبر والموضوع الذي تتناوله، بعكس المواقع الإلكترونية التي عادة ما يكون الخبر فيها مضغوطاً ومختصراً.
محل الثقة
وحول الجرأة في نشر الأخبار والفضائح التي قد تميز الصحافة الإلكترونية عن الصحافة الورقية، يرى الجارالله أن الصحف والمواقع الإلكترونية تبقى ليست كلها محلاً للثقة، فالناس يشككون في الأخبار التي تطرح عبر بعض المواقع، في حين أنهم أكثر ثقة بالأخبار الواردة في الصحافة الورقية.
مع ذلك، يؤكد الجارالله أن الصحف الورقية بدأت فعلياً في التحرك لمواكبة تطور النشر الإلكتروني، من خلال الاهتمام بمواقعها الإلكترونية بشكل أكبر، ومواكبة الأخبار عبرها أولاً بأول، إضافة إلى الخدمات الإخبارية عبر الهاتف النقال التي تقدمها أكثر من صحيفة في الوقت الحالي.
وفي حين يعترف بأن الإنفاق على الإعلان في الصحف الورقية انخفض في أعوام 2008 و2009 و2010 نتيجة تأثيرات الأزمة في الشركات والأعمال التجارية، وذهاب جزء من الإنفاق الإعلاني إلى القنوات الفضائية، يرى الجارالله أن بوادر تحسن طرأت في عام 2011، متوقعاً أن يزيد الإنفاق على الإعلانات في الصحف في 2012، لكن ليس بالشكل المرضي.
ويتوقع الجارالله أن يستمر مسلسل الخسائر في بعض الصحف التي دخلت الساحة في الفترة الأخيرة، قائلاً إن بعضها سيختفي وسيتوقف عن الصدور لا محالة، في حين أن الصحف القديمة ستستمر، رغم الخسائر التي تكبدها بعضها، وانخفاض أرباح القلة القليلة من الصحف الرابحة إلى %60 و%70 مقارنة بالأرباح التي كانت تحققها قبل عام 2008.
أهمية القارئ
من جانبه، يقول نائب رئيس مجلس الإدارة لشركة مجموعة الراي الإعلامية يوسف الجلاهمة إن أهم التحديات التي تواجه الصحافة التقليدية هي القارئ نفسه، فبعد أن كان القارئ بالأمس هو من ينتظر صدور الصحيفة أو المجلة، فإن المؤسسات الصحفية هي التي تلاحق القارئ الآن عبر عدة وسائل، موضحاً أن عادات القراءة تغيرت مع تغير نمط الحياة، إذ أن هناك نوعاً جديداً من القراء حالياً يبحث عن الأسهل والأسرع في الوصول والاطلاع عليه من وسائل إعلامية، بغض النظر ان كانت ورقية أو عبر الانترنت أو غيرها من الوسائل.
ويؤكد أن تغير مزاج الناس في القراءة هو التحدي الكبير للصحف الورقية، لذلك فإن عليها البحث عن وسائل وأساليب تعمل على عودة القراء إليها وتشجع على زيادتهم ونمو أعدادهم.
ويشير الجلاهمة إلى أنه من خلال المقارنات والدراسات كون الإعلان هو الأساس في مداخيل الصحف، فإن هناك 3 صحف محلية فقط هي التي تحقق أرباحاً، أما بقية الصحف فإن ميزانياتها خاسرة، وملاكها هم من يدفعون فروقات الخسائر، مضيفاً أن النمو في السوق الاعلاني في الكويت كان طبيعياً خلال السنوات العشر التي سبقت عام 2008، إلا أنه منذ ذلك الحين، وبعد الأزمة الاقتصادية، أصبح هناك تراجعاً في سرعة النمو، لا انخفاضاً في حجم السوق.
ورغم ذلك، يرى الجلاهمة أن السوق الإعلاني بدأ يتعافى لكن بحذر وبنوع من التسويق العلمي للمنتجات عكس ما كان عليه الوضع سابقاً، قائلاً إن الصحف المحلية التقليدية متى ما أرادت الاستمرارية فإن عليها أولاً تطوير خدماتها الإعلامية من ناحيتين، الأولى المحتوى بحيث يتناسب ونوع القارئ والمستهلك الحالي، أما الناحية الثانية فتتعلق بنوع المنتج من حيث المواد (نوع الورقة، الطباعة)، اضافة الى الاسراع قدر الامكان في التواجد الفعلي عبر وسائل الاتصال الاجتماعي وتطوير خدمات الصحيفة، لأن أيام الجريدة الورقية اصبحت معدودة في ظل التطور المستمر في وسائل الاتصال والمعلومات.
ويتابع الجلاهمة حديثه موضحاً أنه ليس مطلوباً من الصحافة التقليدية حالياً البحث عن الانفراد في الخبر، فهذا أمر اصبح شبه مستحيل، بل المطلوب منها التوسع في مجال التحقيقات واللقاءات والدراسات والصفحات المتخصصة لاشباع رغبة القارئ، اما الفضائح ومواكبة الأخبار فلها وسائلها حالياً التي أصبح من الصعب على الصحيفة الورقية ان تواكبها، فالمفترض من الصحف دراسة امكانية تطوير المحتوى فيها بما يجعلها جاذبة للقراء.
سوق الإعلانات
ويصف الجلاهمة السوق الاعلاني في الكويت بغير المنضبط، قائلاً ان هناك تخريباً منظماً وآخر غير منظم من قبل بعض المنابر الاعلامية وبعض الوكالات الاعلانية الصغيرة، يرجع الى محاولات بعض الصحف الى تحويل المنافسة التحريرية الى منافسة تجارية الهدف منها كسر الآخر، في حين أن الواقع يثبت أن الذي يخسر هي الصحف نفسها، فكعكة الاعلان موجودة والجميع يمكن ان يأكل منها من دون أن يلغي الآخرين، ومن دون ان تحرق الان حتى لو تكبدت خسائر نتيجة لذلك، وهو ما يحدث من الكثيرين في الوقت الحالي من حرق لأسعار الاعلان الهدف منه ليس تجارياً، وانما سياسي بحت.
ويؤكد أن الاعلانات المجانية وبغرض المجاملة، امر دخل بشكل كبير في الفترة الحالية مقابل قطع العميل للاعلان أو منعه من الاعلان في صحيفة أخرى، موضحاً أن هذا الامر ليس في مصلحة السوق الاعلاني، بل يشكل معول هدم له مرة أخرى، بعد أن نظف السوق من الكثير من الوكالات غير المحترفة في العمل التي نصبت على الصحف والمجلات الكويتية بمبالغ كبيرة.
أما مدير الاعلان في جريدة الراي زياد مجذوب فيرى أن هناك وضعاً فريداً من نوعه في الكويت قلما نجده في دول العالم، اذ ان حصة الصحف الورقية تتجاوز %60 من اجمالي الانفاق الاعلاني، في حين أن النسبة لا تتعدى %30 في معظم دول العالم.
وحول تأثير الصحافة الالكترونية على الصحافة الورقية قال ان التأثير يبقى طفيفاً في الوقت الحالي، اذ ان حصة الاعلام «أونلاين» لا تتعدى %5 من اجمالي الانفاق الاعلاني في الكويت، مؤكداً أن التأثير الأكبر على ربحية الصحف الورقية يكمن في الوضع الاقتصادي القائم في الدولة، وعدم الخروج من تداعيات الأزمة الاقتصادية التي اندلعت في عام 2008.
وأضاف أنه في ظل الوضع الحالي، فان ميزانية العميل للانفاق الاعلاني إما قلّت بشكل كبير، كما هو حاصل بالنسبة لاعلانات شركات العقار والاستثمار التي كانت قبل 2008 تشكل رافداً اعلانياً مؤثراً للصحف، واما أنها بقيت ثابتة بالنسبة لغالبية العملاء الآخرين من دون زيادة، مع استقطاب وسائل الاعلام الالكترونية جزءاً من ميزانيات الاعلان تلك، وان كان ليس كبيراً حتى الآن.
وتوقع مجذوب تحسناً طفيفاً في حجم الصرف على الاعلان في الصحف المحلية المقروءة هذا العام مقارنة بالعام الماضي بنسبة تتراوح بين %5 و%10 قائلاً ان هذه الزيادة لن تكون ناجمة عن تحسن الأوضاع الاقتصادية، لكن نتيجة للتضخم الطبيعي في الأسعار.
وأكد أنه في ظل الاقبال المتزايد المتوقع على الصحافة الالكترونية ووسائل الاعلام «أونلاين» بشكل عام، فان على الصحف الورقية أن تواكب هذا التوجه عبر الاهتمام بمواقعها الالكترونية ومتابعة ونشر الأخبار أولاً بأول، مع ايجاد خدمات تفاعلية فيه، والتواجد على مواقع التواصل الالكتروني.
الصحافة الالكترونية
وحول الصحافة الالكترونية في الكويت، قال ناشر جريدة الآن الالكترونية زايد الزيد انه في بداية انطلاقة الصحافة الالكترونية في الكويت، كان من الصعب على ادارات تلك الصحف اقناع ادارات الشركات التجارية ومديري الاعلان فيها، وكذلك وكالات الدعاية والاعلان في جدوى الاعلان لديها، فلم يكونوا يستسيغونه، الا أن الأمر مختلف تماماً في الوقت الحالي، مما جعل الاعلان في الصحف الالكترونية يأخذ جزءاً من كعكة الاعلانات في وسائل الاعلام الأخرى، ومن ضمنها الصحف الورقية التقليدية.
وأكد الزيد أن المستقبل سيكون للصحافة الإلكترونية والمواقع الإلكترونية على حساب الصحافة الورقية التقليدية، قائلاً إن الكثير من الشركات المعروفة باتت تحرص على نشر إعلاناتها في مواقع إلكترونية متخصصة، فمثلاً وكالات السيارات باتت تعلن عبر مواقع بيع السيارات على الإنترنت، ومراكز التجميل والأزياء وما يتعلق بشؤون المرأة بتنا نرى إعلاناته بشكل ملحوظ على المواقع المحلية المتخصصة في شؤون المرأة، وهكذا.
ويرى الزيد أن الصحافة الإلكترونية كونها أكثر جرأة وانفتاحاً في نشر الأخبار والتعليق عليها، مقارنة مع الصحافة الورقية، فإن ذلك يعطيها قوة وتنافسية أكبر، مشيراً إلى ما تمنحه الصحيفة الإلكترونية للقارئ من الرد على الخبر بالتعليق عليه والتفاعل معه، إضافة إلى السبق والجرأة في نشر الخبر وتناوله.
ويعدد الزيد مزايا أخرى تؤكد أن المستقبل للصحافة الإلكترونية على حساب الصحافة التقليدية، في ظل تنامي تأثيرها قائلاً إن كلفة الصحيفة الإلكترونية لا تزيد على %3 من كلفة تأسيس وتشغيل الصحيفة الورقية، وهو ما يؤدي إلى شاسع كبير في أسعار الإعلانات فيهما، فسعر نشر إعلان لمدة شهر كامل في صحيفة إلكترونية يعادل نشر الإعلان على صفحة كاملة في الصحيفة الورقية لمدة يومين أو ثلاثة على أكثر تقدير.
أنشاصي
وللشركات المتخصصة في الإعلان على الإنترنت رأي، إذ يقول المدير العام لشركة نوك بوك إسلام أنشاصي إن الصحيفة الإلكترونية تصل لفئات واسعة من المجتمع أو للشريحة التي تستهدفها إن كانت موجهة لفئة معينة، بدقة عالية وبأقل التكاليف، مقارنة بالصحيفة الورقية التي بات قراؤها من شريحة معينة، هي التي تعودت على قراءتها، مضيفاً أن الصحيفة الورقية تتكبّد تكاليف تشغيل وطباعة وتوزيع عالية، تنعكس ارتفاعاً في أسعار الإعلان لديها لمواكبة زيادة التكاليف، مقابل أسعار رخيصة للإعلان عبر الإنترنت ومن دون تحمّل تكاليف إضافية من قبل القائمين على تلك المواقع.
ويشير أنشاصي إلى أن نسبة الزيادة السنوية في حجم الإنفاق الإعلاني في منطقة الشرق الأوسط، ومنها الكويت، تصل إلى %7 تقريباً، مضيفاً أن الإعلان على الإنترنت لم يقلل حتى الآن من قيمة الإنفاق الإعلاني في وسائل الإعلام الأخرى من صحافة مقروءة وتلفزيون وغيرها، لكنه خفض من النمو في هذا الإنفاق، حيث ذهبت نسبة %3 إلى %4 من نسبة النمو في إجمالي الإنفاق الإعلاني إلى الإنترنت، لتنخفض نسبة النمو في الإعلان عبر الوسائل الإعلامية الأخرى بمعدل %3 سنوياً.
ويبين أنشاصي أن مبيعات الإعلانات على الإنترنت في المنطقة وصلت إلى 140 مليون دولار العام الماضي، في حين أن التوقعات تشير إلى زيادة في تلك المبيعات بنسبة تتراوح بين %40 و%45 هذا العام لتصل إلى 215 مليون دولار تقريباً، مؤكداً أن هذا لا يعني أن الصحافة المطبوعة ستنقرض على المدى القريب، لكن ذلك يتطلب من الصحف الورقية أن تغير من محتواها لتولي الأهمية القصوى لنوعية الكتاب والنقاد والتحاليل والآراء التي تقدمها حول القضايا المختلفة، وتتحول من صحافة خبرية ورأي إلى صحافة رأي بالدرجة الأولى.
ويؤكد أن نسبة نمو الإعلان في الصحف الورقية مرجحة أن تتقلص سنوياً، وهو ما يجب أن تتنبه إليه تلك الصحف، عبر تقليص تكاليف التشغيل وحجم الجريدة، والتوجه إلى شريحة معينة، عبر التحول إلى صحافة متخصصة مثلاً، لكل جريدة مجالها الذي تهتم به، سواءً كان سياسياً أو اقتصادياً أو غير ذلك، بالإضافة إلى أن يكون لها منفذ إلكتروني متطور.
فرض رسوم على الإنترنت
يرى الكثيرون فرض رسوم على الأخبار التي تنشر على الانترنت أمراً حكراً على الصحف المتخصصة لا سيما الصحف ذات العلامات التجارية المالية مثل فايننشال تايمز ووول ستريت جورنال، غير ان سلسلة من الصحف المحلية مثل مينيابوليس ستار تريبيون وممفيس كوميرشال أبيل تبنت هذا النموذج في الأشهر الأخيرة.
وركزت دور النشر بشكل وثيق على صحيفة نيويورك تايمز، التي بدأت في فرض رسوم على محتوى صحيفتها على الإنترنت قبل سنة وسجلت 390 ألف مشترك بحلول ديسمبر. وتقدر باركليز كابيتال ان يضيف الاشتراك الرقمي خلال مارس 100 مليون دولار إلى إيرادات المجموعة من التوزيع، ويسجل بذلك تعويضاً أكبر من الإيرادات عن التراجع السنوي الذي يقدر ما بين 50 مليون – 60 مليون دولار في الإعلانات المطبوعة.
وبحلول نهاية العام الجاري ستعمد صحيفة من كل خمس صحف أميركية إلى فرض رسوم مالية على الدخول الرقمي، وفق كين دكتور، محلل صناعة الأخبار في الولايات المتحدة. المواقف تجاه فرض رسوم على الإنترنت «خضعت لعملية تغيير ثوري في الأشهر الستة الأخيرة»، وفق ستيفن بريل، المؤسس الشريك لشركة Press+ التي تقدم استشارات لـ 258 مجموعة إعلامية بشأن فرض رسوم حول محتويات الإنترنت وتملكها شركة آر آر دونيلي للاتصالات.
ازدياد عدد الصحف الإلكترونية والخدمات الإخبارية
يجد مسؤولون صعوبة في حصر الصحف الالكترونية المحلية، قائلين إن ذلك يعود إلى أن لا تراخيص لها بعكس الخدمات الإخبارية عبر الرسائل القصيرة من خلال الهاتف النقال مثلا التي تتطلب ترخيصا من وزارة الإعلام.
ويقول هؤلاء المسؤولون ان بعض تلك الصحف هي صحف جادة تعمل بشكل مهني عبر فريق عمل متكامل، فإن الكثير منها ما هو إلا مواقع يتم فيها تجميع الأخبار من وكالات الأنباء والصحف المحلية والأجنبية، معددين بعضا من الصحف الالكترونية المحلية الموجودة على الساحة مثل: الآن، سبر، حياد، الخط الأحمر، ديرة نيوز، مباشر، حدث، كويت نيوز، كاظمة، الحقيقة، بيان، انفراد، الحصيلة، وحديث المدينة.
أما في ما يتعلق بالخدمات الإخبارية عبر الرسائل القصيرة، فإن بعضها ما يتبع صحفا يومية هي: الوطن، الراي، السياسة، عالم اليوم، والدار، في حين ان هناك خدمات اخبارية اخرى مثل «سكوب نيوز»، اخبار الرابعة، الخبر، وكويت نيوز.
تغيير نماذج العمل
الضغوط المتنامية على الصحافة تسرع في المقابل من وتيرة التغيير في نماذج عمل الصحف. ففي الخامس من مارس، طرحت صحيفة لوس أنجلوس تايمز «برنامج العضوية» الذي يحدد عدد ما يطلع عليه مستخدمو الإنترنت مجاناً إلى 15 موضوعا في الشهر. وبعد ذلك، ينبغي على القراء أن يدفعوا رسم اشتراك، ويكون السعر بالنسبة للاشتراك الرقمي فقط أعلى من الاشتراك في كل من المحتوى الرقمي والصحيفة المطبوعة معاً.
وتأتي هذه الخطوة في أعقاب إعلان دار جانيت في فبراير عن جميع صحفها البالغ عددها 80 صحيفة اشتراكاً رقمياً، في خطوة تتوقع منها دار النشر أن تضيف 100 مليون دولار إلى أرباحها التشغيلية.
إعلانات مجانية وخصومات تصل إلى 60%
أرقام شركات البحوث غير معبّرة عن واقع الإنفاق الإعلاني
يقول مدير الإعلان في إحدى الصحف الكبرى: ان الأرقام التي تصدرها شركات البحوث المتخصصة تظل غير معبّرة فعلياً عن واقع الإنفاق الإعلاني الموجه الى الصحف، حيث ان واقع الانفاق الاعلاني في الصحف أقل بكثير من الأرقام التي تعلنها تلك الشركات، موضحاً ان تلك الشركات تقيس حجم الإنفاق عبر أسعار الإعلانات المعلنة، دون اطلاع منها على الحسومات الكبيرة التي تصل في بعض الصحف إلى %60 من قيمة الإعلان، إضافة إلى سياسة الإعلان المجاني لاستقطاب المعلنين التي عمدت إليها صحف جديدة، والإعلانات المجانية التي تأتي من قبيل المجاملات، أو لشركات وجهات تخص ملاك الجريدة أنفسهم.
وبالعودة إلى أرقام شركات البحوث، يوضح أن حجم الإعلان في الصحف الورقية المحلية انخفض من 121 مليون دينار في عام 2008 إلى 114.5 مليون دينار في عام 2009، وحافظ على مستواه تقريباً في 2010 ليعود للانخفاض مجدداً في العام الماضي 2011 إلى 104 ملايين دينار، مضيفاً أن إعلانات شركات الاستثمار والعقار في الصحف انخفضت بشكل ملحوظ من 11 مليون دينار تقريباً في 2008 لتصل إلى 3.2 ملايين دينار في 2011، أي بنسبة انخفاض بلغت %71 تقريباً.
ويؤكد أن ما تعوّل عليه الصحف خلال الفترة المقبلة هو عودة النشاط الاقتصادي في البلاد وزيادة الإنفاق الحكومي على المشاريع، بما من شأنه أن يحرك الوضع الاقتصادي برمته، وينعكس إيجاباً على الإنفاق الإعلاني في الكويت.
تفاؤل بمستقبل الجرائد الورقية
شاعت في السنوات الثلاث الأخيرة التحذيرات من زوال الصحف، بعد إغلاق صحيفة روكي ماونتن نيوز وقرار صحيفة سياتل بوست انتيلجنس بالتوقف عن اصدار نسختها المطبوعة، لكن عددا قليلا من الصحف الكبيرة اغلق منذ ذلك الحين.
ويعود ذلك الى الارباح الكبيرة التي حققتها الكثير من الصحف في العقود التي كانت تتمتع فيها باليد الطولى والهيمنة على الاعلانات المبوبة واعلانات السيارات.
معظم الصحف لا تزال تحقق الارباح كما كانت تفعل دائما لكن ليس كالسابق.
ويضيف ان ارباحها النموذجية المكونة من خانتين «جيدة جدا مقارنة مع وول مارت او امازون».
ووفق وارين بوفيت، لا يزال امام الصحف ايضا بعض المحتوى الفريد لجذب القراء من الرياضة الى السياسة المحلية، ويضيف «كما ان اعلانات النعي امر جيد، فانت لن تعرف ما اذا كان اصدقاؤك احياء أم امواتا من أي مكان آخر».
وارين بافيت يدعم الرسوم الرقمية
قطب المال والأعمال وارين بوفيت، الذي يستثمر منذ فترة طويلة في صحيفة واشنطن بوست، التي لا تفرض رسوماً على ما تنشره على الانترنت، يدعم الرسوم الرقمية. وكان قال لمحطة «سي ان بي سي» الشهر الماضي وهو يجلس أمام المطابع في «أوماها وورلد هيرالد»، الصحيفة المحلية التي اشتراها العام الماضي «يجب ألا يتخلى المرء عن شيء يسعى لبيعه».
ويقول رئيس مجلس ادارة بيركشاير هيثاواي إنه عند وضع المحتوى نفسه، الذي يباع مطبوعاً على الانترنت مجاناً، تكون الصحف وكأنها تتنافس مع نفسها. ويتابع «ها نحن نشهد رد فعل الصناعة على تلك المشكلة ومحاولة ايجاد حل لها».
ويقول أنصار هذا التوجه من أمثال Press+ إن دور النشر التي تبنت نماذج «منظمة» تسمح بدخول مجاني لعدد محدود من الموضوعات والتقارير الاخبارية لم تشهد خسائر في ايرادات الاعلانات الرقمية، التي خشي منها الكثيرون. بل إن تلك النماذج «دعمت بطريقة أو بأخرى توزيع الصحيفة المطبوعة»، وفق ما يضيف آلان ماتور، المدون والمحلل في احدى الصحف.
لكن هذه الصناعة بعيدة عن الاتفاق على نموذج واحد. اذ وجد مركز بيو أنه «بعد مضي 15 عاماً على التحول الرقمي، لا يزال يشعر التنفيذيون بأنهم في المراحل الأولى من محاولة تلمس الطريق ومعرفة الكيفية للمضي قدماً».
أضف تعليق