سبر القوافي

دخيل الخليفة بلا وطن … يعبر القارات والعواصم على جناحي قصيدة

كثيرون من كتبوا عن الشاعر والاعلامي دخيل الخليفة … واستوقفتهم انسانيته التي لاتحدها حدود وهوالذي ينطبق عليه أنه “القصيدة التي تعاش ولاتكتب وتقرأ فقط” .

الخليفة بلا وطن ولكنه يعبر القارات والعواصم وجواز سفره الشعر والأمل على جناحي قصيدة  , يهز كيان الحرية عندما يمسك بجذع حقيقتها , ويبرعم الفرح عندما يقول ” يبا الدنيا ماتسوى  المقبل هو الاجمل “.

عندما نقرأ لكاتب يهز عريشة القصائد عند بوحمد … في ” الكويتية” او على اي صفحات تنبض بالمودة , تقطف سبر حلو الكلام وتضعه هنا .
فقطفنا من الناقد البحريني فهد حسين اجمل بوح  لشاعر عربي بإمتياز عراقة الروح والعقل والرؤية العميقة .

………………………………………………………..

الكتابة .. خروج من بين خيوط العالم المهلهلة

دخيل الخليفة.. نص إبداعي وإنساني 

الناقد البحريني فهد حسين “الكويتية” 
حين تقرأ دخيل خليفة الشاعر الكويتي تقف حائرًا بين الحديث عن شخصية الشاعر، أو عن التجربة الشعرية، أو عنهما معًا، حيث الاثنان ممزوجان معًا، وبخاصة كلما توغلت في معرفته، لذلك تبقى هذه الحيرة قائمة حتى تنتهي مما تريد الكتابة فيه، فمنذ التعرف إليه قبل عدة سنوات، والعلاقة تتجسر بيننا يومًا بعد يوم وإن لم نلتق باستمرار، ولن أبالغ حين أقول إن دخيلاً من الشخصيات التي ما إن تلتقي بها حتى ينتابك شعور بمعرفتها منذ زمن بعيد، لأنه يملك من القدرات الشخصية والأدبية والإنسانية التي تجبرك على احترامه وتقديره، فمقدر تلك الحساسية المرسومة في شخصيته بقدر ما وجعل قلبه مخزنًا لتأوهات الآخرين.
وفي الفترة الأخيرة أصدر الشاعر ديوانه «يد مقطوعة تطرق الباب»، مصحوبًا بديوانه الآخر المعنون بـ «صحراء تخرج من فضاء القميص» في طبعته الثانية، متعاضدين معًا ومن دار نشر واحدة، هي دار أثر للنشر والتوزيع في العام 2011، وإذا كان غلافا الديوانين يجعلانك تفكر فيما سيقوله الشاعر، فإنك تستدرك تدخل الدار في طبيعة الإخراج، لكن اللافت هو العنوانان نفساهما، فأي تلك المساحة التي تسمي نفسها الصحراء؟ لتخرج من القميص؟ أهي ذاك الفضاء الشاسع الذي حاول أن يستقر في خلايا المرء، لكنه هذا الرافض لاستقرار فضاء يمكن من خلاله رؤية الحياة والكون والكائنات في شكلها الطبيعي، وفي تكوناتها المستقبلية، لهذا كان القميص حريصًا على كتم أسراره ولا يرغب في مصادقة الصحراء التي قد تكشف جزءا من تلك الخيوط المهلهلة للعالم، من هنا كانت كل محاولات الصحراء خاسرة، إلا أن الإصرار على الولوج أفضى بقطع اليد، وهي تسعى إلى تحقيق الحلم، المغلف بوشاح الحزن.
فضاء الإنسان

يأخذك ديوان صحراء تخرج من فضاء القميص إلى تلك العلاقات الإنسانية التي جمعت الشاعر بعدد من الأدباء والشخصيات المجتمعية، بدءا من الإهداء الذي نثره إلى صديقه كريم الهزاع، بقوله «حيث ينتهي العمر كأغنية فقير»، وأعتقد أن فقر الإنسان كامن في عدم تحقيق حلمه الذي كان ولايزال يراوده، الحلم الذي لم يستقر إلا في مخزن الحزن، الحلم الذي تلبسه العمر في فضاء الإنسان.
أما الشخصيات الأخرى التي جاءت في النصوص، فهي شخصيات أرسل لها الشاعر تحياته من خلال الشعر واللغة والنص، التي تكشف مدى ارتباط الشاعر بالآخرين، والوقوف على هموم غربتهم، وهموم الوحدة، والبعد، ومحاولته الدائمة سد الرمق لمن يحبهم بحب جم، وحنان وعطف أخوي وإنساني، فالعلاقة الأدبية والاجتماعية فرزت نصًا أهداه إلى الشاعر نادي حافظ، كاشفا الحالة التي تعتري الاثنين، فإذا كان الشاعر نادي قادما من مصر الكنانة إلى كويت المحبة، فهو غريب كما الشاعر الذي يرى غربته في وطنه، فهما يكتبان الشعر ويزرعان الحلم غير المكتمل المتساقط رذاذه على إحدى طاولات المقاهي.
التعامل مع الحاجز جغرافي

وتجربة الشاعر الذي لا يسافر لعالم الإبداع في الأمكنة العربية إلا نادرًا لظروف أكبر من إرادته على التواصل، لذلك لا يكترث بهذا الحاجز الجغرافي والمكاني، لما لديه من ملكات التعامل مع الشبكة العنكبوتية، وما يتمتع به من صداقات واسعة في فضاء المشهد الأدبي العربي، وهذا ما جعله أيضا وفيا في حضور الأصدقاء ليشاركوه في عالم النص الإبداعي، إذ كان الشاعر المصري علي منصور الذي يؤكد دخيل من خلال نصه على تميزه في التجربة الشعرية، والبناء الفني، فحين يكتب أو يقرا نصا له يحرك الحرث، بعدما بذر الأرض واعشوشبت بلغته، وتصويراته الجمالية، وهي شهادة من شاعر لشاعر، على الرغم من الغيرة التي تبرز عند الكثير من المبدعين، وها هو يقول في إهدائه النص الشعري لعلي منصور: يقولون إنك أينما تجلس.. تصبح الأرض خضراء..! ورواد المقاهي يتفتحون.. يملؤون خلاياهم عسلاً.. ربما لم يعرفوا.. أن أنهارًا تجري تحت قدميك..! ص68، ولكن هذا لا يعني أن مآسي وأحزان الشعراء لا تعنيه، بل يتفاعل معها ويحاول تسكين جراحها، كما في نصه الذي أهداه إلى الشاعر مختار عيسى، قائلا: حزنك الذي تركته معلقًا.. على شجرة سبتمبر.. أصبح مثل نار غافية.. تصحو كلما تذكرك الأصدقاء..! ص69، وكذلك الشاعر السوري مخلص ونوس المتمرغ في غياهب الألم، والشوق الممزوج بطعم الحزن الذي كشفه النص، السيجارة التي يشاغبها فمك.. بحاجة إلى عود كبريت.. أظنه قلبك المشتعل بالحنين..! ص 72. ويقف عند الشاعر العراقي الذي هاجر وطنه ليعود إليه حاملا كل التعب والأثقال، لذلك كان النص المهدى له تتبرعم فيه حالات التساؤل، ومنغصات الحلم، فيقول: إلى متى يتلبس السواد جهة القلب.. أيها الممسوس بالبياض؟.. حيث يضحك البنفسج.. كان الفرح وهما أرهقه الدم.. ص105.
التواصل مع الإنساني

إن معرفة الشاعر بعالم الأدب والكتابة الإبداعية لم تحصره في هذا، بل إن مكوناته الثقافية والمعرفية جعلته متواصلا مع الشأن الإنساني في مختلف المجلات ذات الارتباط بالعلوم الإنسانية، فحين كتب نصا إلى الكاتب المرحوم الدكتور أحمد البغدادي، فهو عارف كم كان هذا المفكر موضوع نقاش وحوار مع مؤيديه والمختلفين معه في جل ما كان يطرحه، وأعتقد أن دخيل خليفة من متابعي كتابات البغدادي، والمعجبين بطروحاته التي أكدت ما قاله نصه الذي أهداه له: يسألني أطفالي: لماذا تنخر بعض الجرذان.. جذور البيت.. أنهرب..؟ لا.. نسحقها.. ضحكوا.. فتواريت وراء الباب.. بكيت.. ! ص74-75، إذن التواري بما يحفظ مكانة الإنسان ثقافيًا واجتماعيًا وإنسانيًا يؤدي إلى الحسرة التي كانت تدب في نفوس المثقفين وغير المثقفين، الذين يحلقون في فضاء هذا المفكر والكاتب أحمد البغدادي، وتشربوا من معينه، وأعتقد أنه خرج من مدرسته العديد من الكتاب والمبدعين، وما دخيل إلا ضمن الذين كانوا متابعين لما ينجزه هذا الكاتب، أما فارس مطر فكان النص المهدى له يعبر عن تلك الأيام الخوالي التي مرت عليهما معًا، يمران في طريق الحلم المشحون بفرح الكتابة، والغارق في اتساع رقعة العالم الجميل، هكذا يقول له: أتذكر.. خيالين بدشداشة واحدة.. يتسلقان جدار الأبجدية.. باتجاه ضفة.. أكثر رحابة من صدر مدرس اللغة.. حينها لم يكن في جيبي.. ما يكفي من الهواء.. ص80.
علاقات مدونة

كذلك العلاقة الإبداعية التي جاءت مع المرأة المتمثلة في الشاعرة سوزان علوان، والقاصة إستبرق أحمد، اللتين جمعهما بالشاعر تلك الخيبات التي تحاول كلتاهما النبش في مخابئه، ويتفق معهما الشاعر في كشف أسرار بعض مكونات المجتمع وخفاياه، وها هو يؤكد في النص الذي قدمه إهداء لهما: أكره الأنفاس الملوثة.. والقلوب المكفنة بالسواد.. ص93.
ولدى الشاعر دخيل الإمكانات الفنية والتقنية والقدرة اللغوية التي تمارس سطوتها على النص، ليكون نصًا متميزًا في بنائه، وشكله، ورؤيته، وفي لغته، فهو شاعر يتمكن في كتابة النص وفي نسجه بالشكل والنوع والتطلع نحو الأفق، وكلما قرأت نصا تجد نفسًا مضطرًا لقراءة نص آخر، وكلما نظرت إلى شكل هذا النص جاءتك الرغبة في معرفة شكل النص الآخر، وبمعنى آخر إن الشاعر يكتب نصًا قصيرًا، ونصًا طويلا، نصًا متواصلا وآخر مقطعًا، نصًا منفردًا بحالة ما، ونصًا آخر بحالات متعددة، من دون أن يشعرك النص بالتحول أو التنقل المضطرب.
هكذا هو الشاعر دخيل خليفة الذي نفتخر بوجوده شاعرًا في منطقتنا الخليجية، ومساهما في ثقافة جيلنا.