آراؤهم

الصدق كالإرهاب.. لا دين له!

كلنا لا يرضى بأن يكون الإرهاب والتطرف هو الاسم الآخر لديننا وكلنا أيضا على قناعة تامة بأن الإرهاب لا علاقة له بدين أو عقيدة بل هو انحراف عن طرق الصواب مهما كانت دوافعه وغاياته -إن وجدت طبعاً- ولكيلا ندخل في معمعة تعريف هذا المصطلح فلنتفق على أنه ذلك الشيء السيئ جداً!
جميعنا أنكر الإرهاب وأخرجه من الملة ولكنه يبقى سلوكا بغض النظر عن سوئه أو حسنه كالصدق والإخلاص والوفاء وحفظ الأمانة وغيرها وكما قلنا عن الإرهاب بأن لا دين له قاصدين بهذا عدم علاقته بدين أو بمجموعة معينة من الناس فالصدق أيضاً لا دين له!
لماذا نتعامل مع الأخلاق الحميدة والسلوكيات الراقية وكأنها جزء من أملاكنا التي لا يجوز لأحد بأن يرعى فيها سواء اتصفنا بهذه الاخلاقيات أم لم نتصف؟ لماذا ننبذ الإرهاب ولا ندرك بأن الصدق مثلاً موجود عند غيرنا أيضا؟ وقبل أن ندرك ما سبق علينا أن ندرك بأننا بدأنا بخلط الدنيا في الآخرة فننسخ من هنا ونلصق هناك، وركزنا على النوايا التي هي من شأن الآخرة ونسينا الأعمال ونسينا بأن النوايا وحدها لا تكفي لذلك تم ربط النوايا بالأعمال. 
هل فعلاً كل الأمم ضالة تكذب على نفسها لأنها لم تدخل في الإسلام؟ وقصدي من السؤال هل كل صدق سيكون كذبا لمجرد أن صاحبه لا يدين بالإسلام؟ إن الصدق وغيره من الصفات أمور تعود على صاحبها بالنفع دوما حتى الكافر الجاحد، فهذه سنة الكون التي جعلت الأمم الأخرى -الكافرة طبعاً- تصل إلى ماهي عليه الآن التي صدقت مع نفسها على مقاييسها طبعا ولم تخدع نفسها! فعندما أقرر أن لا أتقن عملي وأتوقع انخفاضا في مبيعاتي فهنا أكون صادقا مع نفسي رغم أن فعلي قد يكون خاطئاً. 
وهنا أسأل: ما الذي يميزنا عن غيرنا؟ إنه الإيمان بالله ولكن هذا الإيمان لغة لا يفهمها إلا نحن، فكيف ستخاطب من لا يؤمن وتدعوه للإيمان بقولك أن ديننا دين صدق و إخلاص وأمانة؟ حينها سيتساءل: ما الجديد الذي أتى به هذا المؤمن؟
الصدق وغيره من الصفات الحميدة ليست أمورا خاصة بالمؤمنين بل هي لغة عالمية كونية تتواصل بها مع الآخرين وعندما تتقنها مع نفسك ثم مع غيرك يمكنك القول حينئذ أنك في الموقع الصحيح لتبدأ بمبارزة مفاهيم الآخرين الخاطئة. 
الرسول صلى عليه الله وسلم كان محل احترام قريش قبل الدعوة لصدقه وأمانته وهذا دليل بأن الصدق لغة كونية تفهمها كل الخلائق.
الطرف الآخر لا يرى ما تؤمن به بل ما ينتج عن إيمانك وبما أن الإيمان أمر بينك وبين خالقك فما الفرق إذا بينك وبين أحد كفار قريش -من منظور الدنيا طبعا- إن ضيعت الأمانة وقلت ما ليس فيك ومالا تفعل؟! ينتابني شعور بأن بعض كفار قريش كانوا أكثر صدقا و نخوة وشهامة وحفظا للأمانة من بعض تجار المسلمين الآن!
إغفالنا لضرورة الربط بين الإيمان العقلي والعملي جعل من ديننا اسما قد ينفر الشخص منه لمجرد صورة كونها بفعل بعض المفسدين، و لو أنه دعي إلى كل صفة من صفات الدين على حدة لوجدته أصبح مسلماً ولكن دون أن ينطق الشهادتين!
الصدق لا دين له.. فهم صادقون ولكن بتفكير ضال أو قد يتميزون بشيء ويفشلوا بغيره. ديننا ليس صندوقاً مغلقاً نجلس فيه ونقفل على أنفسنا بل هو إيمان بالله واتباع لمنظومة متكاملة من التراتيب المنسوجة بإحسان من عناصر خلقت لتكون نظام هذا الكون.. غيرنا قد غير ما بنفسه فتغير حاله.. ألسنا أحق من غيرنا بهذا التغيير؟ أما حان الوقت لنستفيد من خبرات الآخرين ونصدر هذا الدين ونخاطب به العالم بدلاً من أن نعيش خدعة أننا احتكرنا الصواب؟ انشغلنا بتصنيف الكتب ووضعنا لكل تصنيف عشرات التصانيف وغيرنا بكل بساطة انشغل بقراءتها!
تويتر:
@DrNawras