أقلامهم

عبدالله النيباري: لم تحظ أحداث البحرين بالاهتمام… الحل الأمني طريق مسدود؟

في سوريا والبحرين الحل الأمني طريق مسدود

عبدالله النيباري
في ما سمي بالربيع العربي، اجتاحت الأقطار العربية في السنة المنصرمة انتفاضات شعبية معظمها تلقائية، تطالب بالحرية والكرامة والعدل، وقد نجحت الجماهير في إسقاط أنظمة الاستبداد والفساد بطرق وأساليب سلمية، كما حدث في تونس ومصر. وبتكاليف باهظة أهدرت فيها دماء المواطنين، كما حدث في ليبيا واليمن. أما في سوريا والبحرين، فما زالت الاحتجاجات مستمرة، وقد مضى على انطلاقها أكثر من عام، وما زالت السلطات الحاكمة تواجهها باستخدام القوى الأمنية والعنف المفرط وعدد الضحايا يتزايد يوماً بعد يوم.
بطبيعة الحال، هنالك اختلاف وتباين في درجة استخدام العنف، وفي حجم الضحايا، لكن ما يجمعهما هو فشل استخدام القبضة الأمنية في مواجهة مطالب الشعب وإطالة المدة الزمنية من دون تبين بصيص النور في نهاية نفق الأزمة.
في سوريا تصاعد العنف، من استخدام قوى الأمن وعناصر الشبيحة في البداية، وتطور إلى استخدام الجيش والأسلحة الثقيلة، كالدبابات والمدرعات والقاذفات وحتى الطائرات لدك وتدمير المدن ومن فيها، باتباع أسلوب الأرض المحروقة، وهذا ما حصل في حمص وإدلب، والآن في حماة، وبدرجات مختلفة في درعا ودير الزور وريف دمشق.
البحرين
في البحرين حالة المواجهة بين قوى الاحتجاج الشعبي وتصدي قوى النظام الحاكم بالعنف ما زالت مستمرة، وإن كانت بصورة تختلف عما يحدث في سوريا، لكن الأزمة والمواجهات واستخدام العنف بأشكال مختلفة ما زالت مستمرة.
المطالب الشعبية في البحرين تنحصر في إصلاحات في إطار النظام، ولم ترفع مطالب إسقاط النظام إلا من أقلية متطرفة، وقد أكد ذلك بيان المعارضة الذي تمثله سبع جمعيات رئيسة، هي: جمعية الوفاق، وجمعية العمل الوطني الديموقراطي، وجمعية التجمع القومي، والتجمع الوطني الديموقراطي، وجمعية الإخاء الوطني. ومطالب هذه الجمعيات تؤكد على:
1 – أن تكون البحرين دولة ديموقراطية في ظل الملكية الدستورية.
2 – حماية جميع الحريات، بما في ذلك حرية التعبير والتجمع وتنظيم مؤسسات المجتمع المدني والنشاط السياسي.
3 – تحقيق مصالح جميع أبناء البحرين من دون تمييز عرقي أو ديني أو مذهبي أو سياسي.
4 – مراعاة حقوق العمالة الوافدة وتحسين ظروف العمل.
5 – ترسيخ وتطوير العلاقات ضمن منظومة مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية.
6 – ترسيخ وتعزيز العلاقات مع الدول الديموقراطية الصديقة وتبادل المصالح المشتركة.
7 – تطوير المناخ الاقتصادي القائم على اقتصاد السوق وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي وتوفير البيئة القانونية والإجرائية المساعدة على الثقة في الاقتصاد، لجعل البحرين بيئة تنافسية.
هذه المطالب طرحت في 2011/10/12، أي بعد إزالة ميدان اللؤلؤة، وبعد تكليف لجنة بسيوني لتقصي الحقائق بالأمر الملكي في تاريخ 29 يوليو 2011، أي حتى بعد أحداث العنف التي بدأت منذ شهر مارس 2011.
مطالب تاريخية
المطالب التي تضمنها هذا البيان الذي سمي ببيان وثيقة المنامة، هي في الحقيقة مطالب تاريخية، كما هي الحال في الكويت. فالمطالب بالمشاركة الشعبية بدأت في عام 1923 ثم عام 1938، عندما رفعت إلى المطالبة بكامل الصلاحيات التشريعية والرقابية، واستمرت في انتفاضات شعبية واسعة كل عشر سنوات، كما حدث في انتفاضات 1954 و1956 و1965، ثم في انتفاضتي 1944 و2000. كل هذه الانتفاضات كانت من أجل إصلاح ديموقراطي ومشاركة شعبية فاعلة متواكبة مع المطالب والحركات الشعبية في الكويت. فبعد قيام الحكم الدستوري في الكويت عام 1962، تبع ذلك إصدار دستور البحرين عام 1973، وكان مشابهاً لدستور الكويت لعام 1962، وبعد حل المجلس النيابي في البحرين عام 1975 تبع ذلك حل مجلس الأمة في الكويت وتعليق الدستور عام 1976، وكذلك المطالبة بإعادة العمل بالدستور وعودة البرلمان المنتخب كانت تتواكب في الكويت والبحرين.
وفي عام 2011، تواكب الحراك السياسي في الكويت والبحرين للمطالبة بإصلاح ديموقراطي ومشاركة شعبية فعالة والقضاء على الفساد.
لا عنف
لكن الاختلاف بين الكويت والبحرين أن الكويت لم تشهد عنفاً، كما هي الحال في البحرين، التي شهدت عبر تاريخها السجن والتعذيب والنفي، كما حصل لزعماء الاتحاد الوطني الباكر ورفاقه في الخمسينات، ثم النفي للكثير من العناصر السياسية بعد حل البرلمان عام 1975.
وبعد تبوؤ الملك حمد بن عيسى سدة الحكم، بادر بإجراء مصالحة عام 2002، بإعادة المنفيين والدخول في حوار سياسي انتهى بما سُمي بالميثاق الوطني لإعادة الحياة البرلمانية، وحض ذلك الميثاق الذي نص على تحول البحرين إلى مملكة، ووعد بإعادة الحياة الديموقراطية على إجماع في استفتاء شعبي عام.
ولكن إصدار دستور 2002 جاء مخالفا للتوقعات، حيث قيَّد صلاحيات مجلس النواب المنتخب، وأعطى صلاحيات مماثلة لمجلس الشورى المعين، بجميع أعضائه.
ومنذ ذلك الحين عادت أجواء التوتر إلى أن وصلت إلى ما شهدته البحرين في عام 2011، وعادت السلطة إلى استخدام العنف في مواجهة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإصلاحات ديموقراطية جذرية تؤدي إلى حكومة منتخبة ومجلس منتخب يراقب ويحاسب ويشرِّع.
إلا أن مواجهة هذه الاحتجاجات بالعنف أدى إلى تعميق الأزمة، وخصوصاً بزيادة عدد القتلى والاعتقال العشوائي، وتطورت الأمور إلى اقتحام المنازل في ساعات متأخرة من الليل، كما جاء في تقرير بشير بسيوني.
مبادرات
وقد كانت هنالك مبادرات للخروج من المأزق في بداية أشهر الأزمة، بناء على مبادرة ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد، للدخول في حوار مع القوى السياسية، وأوشك ذلك الحوار على التوصل إلى اتفاق مع النشطاء السياسيين، حسب تقرير «بي بي سي» البريطانية، تضمن تقديم تنازلات كبيرة من جانب النظام، عرضها ولي العهد بإنشاء برلمان يتمتع بسلطات تشريعية وتشكيل حكومة تعكس إرادة الشعب وإلغاء التقسيمات المشوهة في الدوائر الانتخابية.
الحوار للخروج من المأزق
الأوساط البحرينية تؤكد أن العنف لن يؤدي الى انفراج الأزمة، ولا سبيل الى ذلك إلا بإجراء حوار جاد، للوصول إلى حلول جذرية تتماشى مع روح العصر ومطالب الشعوب العادلة بالحرية والكرامة والعدل واجتثاث الفساد، وهو ما سارت في طريقه أغلب شعوب العالم، ولعل آخرها بورما. والبلاد العربية، بما فيها دول الخليج لا تستطيع إغلاق حدودها في وجه رياح التغيير التي تجتاح المنطقة.
استمرار مواجهة الاحتجاجات بالعنف لن يؤدي إلى انفراج واستقرار، وعواقبه وخيمة، تعطل وتؤدي إلى جمود اقتصادي، وتعمق الانقسامات الاجتماعية وأخطرها الانقسام الطائفي والكلفة الرهيبة من القتلى والمحتجزين والمعذبين.
الاستقرار لن يكون إلا بقيام دولة المؤسسات بنظام ديموقراطي وقضاء نزيه وعادل.
الموقف الدولي
لم تحظ أحداث البحرين بالاهتمام العالمي، كما كانت الحال في ليبيا وسوريا، لكن بعض المواقف صدرت من زعماء وسياسيين وهيئات دولية.
فقد طالب الرئيس أوباما بضرورة إجراء حوار للوصول إلى تسوية سياسية، وقال إن الحوار لا يجري والمحاورون في السجن، جاء ذلك في خطابه السنوي في بداية 2012.
وفي بريطانيا، تقدّم 17 عضوا في البرلمان بإيقاف سباق الفورميولا 1 بعد قيام التظاهرات التي اعتبرت السباق إضفاء شرعية على إجراءات النظام واستقراره، مشيرين إلى انتهاك حقوق الإنسان، وناشد وزير خارجية بريطانيا وليم هيغ نظيره البحريني بتوخي أقصى درجات ضبط النفس في التعامل مع المحتجين. وفي مواجهة المرحلة الأخيرة من الاحتجاجات صدر تصريح للملك حمد بن عيسى بأن بابه مفتوح للحوار.