أقلامهم

كاتب عراقي يسأل الحكومة الكويتية: إذا كان أسرى البدون ليسوا كويتيين فلماذا قبضتم تعويضاتهم؟

خصص الكاتب العراقي كاظم فنجان حسين الحمامي مقاله في جريدة المستقبل العراقية للحديث عن سجل البدون في الكويت، متناولاً تاريخ هذه القضية وما أسماه الأسلوب الدوني الذي تتعامل به الحكومة الكويتية مع أفراد هذه الفئة، طارحاً في الوقت ذاته تساؤلاً مفاده: إذا كان الأسرى ليسوا كويتيين فلماذا قبضت الحكومة الكويتية تعويضاتهم من العراق الذي التزم بسداد ما عليه وفق الفصل السابع دون أن يطلب شهادات الجنسية للأفراد الذين سيتسلمون تلك التعويضات؟.

ويتطرق الكاتب في مقاله إلى ما قدمه البدون من تضحيات خلال الاجتياح العراقي للكويت، وقبل ذلك محاولة اغتيال الأمير الراحل الشخ جابر الأحمد، حيث استشهد في هذه العملية عشرة من أفراد الحماية وكلهم من البدون لم يحصل سوى اثنين من أفراد أسرهم على الجنسية. 

جوانب متعددة في قضية البدون تطرق لها الكتاب “كاظم فنجان”  عبر هذا المقال:

مراجعة إنسانية لسجل البدون

كاظم فنجان حسين الحمامي

 

تراكمت آلام البدون في أقطار الخليج العربي حتى كادت أن تتحول إلى مأساة عالمية تفوق مآسي الانتهاكات الإنسانية في العصور الغابرة, فما بالك إذا كانت حقوقهم تُنتهك اليوم في تشريعات الأقطار العربية المسلمة, التي ماانفكت تتظاهر بإنسانيتها وعدالتها, في الوقت الذي تتعمد فيه التعامل مع هذه الشريحة بكل الطرق الدونية المرفوضة, في تناقض عجيب بين المظهر والجوهر. . .  .

دعونا نراجع سجلات البدون في الكويت, والذين فاق تعدادهم (100) ألف إنسان مازالوا بدون هوية, وبدون جواز, وبدون حقوق, فعلى الرغم من إقرار مكتب الشهداء في الكويت بشهادة الشهيد البدون, وعلى الرغم من اعترافه الوطني بشجاعته وبسالته وتضحياته الجسيمة, واعترافه رسميا بحقوقه بموجب أحكام المرسوم الأميري, الذي أقر منح الجنسية الكويتي لوالدي وزوجة الشهيد, ومنحها لأبنائه, وعلى الرغم من مضي(15) عاماً على صدور ذلك المرسوم المعطل, لم تنفذ مواده في تطبيقات الأحوال المدنية حتى هذه اللحظة, وظل حبرا على ورق. .

 

في يوم 2/8/2011 , وعلى وجه التحديد في ذكرى الاجتياح العراقي للكويت, قامت لجنة الداخلية والدفاع في مجلس الأمة باستدعاء ممثلين من مكتب الشهيد ووزارة الداخلية للتحاور معهم عن أسباب التلكؤ في تطبيق بنود المرسوم الأميري, فاستغرق الاجتماع ساعات طويلة لمناقشة فيما إذا كان الشهيد يستحق الجنسية من عدمه, وكأنهم لا يعلمون إنهم بعملهم هذا يخالفون السنن والأعراف البشرية السائدة منذ فجر السلالات, فقد قادهم تحاملهم على فئة البدون إلى مناقشة استحقاقات شهداء غادروا الدنيا منذ أعوام وأعوام, وكان الأجدر بأعضاء اللجنة تكريمهم وعوائلهم بأفضل ما لديهم من تكريم, وان لا يناقشوا فيما إذا كانوا يستحقون التكريم أو لا يستحقونه, فمن المعيب التعامل مع الشهداء بهذه الأساليب الفوقية الناكرة للتضحيات الوطنية المشرفة. .

يقول المتشدقون من الذين فروا مذعورين من الكويت يوم الغزو: إن بعض الشهداء لديهم ملفات أمنية مقلقة تحول دون اكتسابهم الجنسية, للإيحاء بأنهم تعاونوا مع القوات العراقية, وربما سيقولون لنا: إن المواطنين الذين سقطوا مضرجين بدمائهم يوم الغزو, هم الذين اختاروا الموت بهذه الطريقة, كي يحتالوا على التشريعات الكويتية, وينالوا الجنسية بعد موتهم, وربما يقولون لنا إنهم هم الذين قرروا الاستشهاد بطريقتهم الخاصة حتى يضمنوا الجنسية لعيالهم بعد وفاتهم. .

بربكم من فيكم قرأ أو سمع مثل هذا اللغط في سجلات روما القديمة, أو في سجلات قبائل الزولو والتوتسي ؟؟؟ . .

وعلى الرغم من مطالبات الكويت برفع رفات الأسرى من تربة العراق ونقلها إلى أرض الكويت, وعلى الرغم من استنفارها المنظمات الدولية, واستدعائها لجان الأمم المتحدة, وعلى الرغم من مباشرتها بنقل جثامين الشهداء الأسرى في مواكب مهيبة ترفرف فوقها الأعلام الكويتية, وعلى الرغم من حرص الكويت على إقامة مجالس العزاء لهذه الكوكبة من الشهداء, إلا إنها ما أن انتهت من مراسيم العزاء حتى أعلنت على لسان وزارة الداخلية عن رفضها منح شهادة الوفاة لأولئك الشهداء, بذريعة إنهم ينتمون إلى أصول غير كويتية, فهل من الشجاعة أن تستقوي الكويت على شهيد فارق الدنيا دفاعا عن حياضها ؟. . . 

يقال ان التعويضات المالية التي دفعها العراق للكويت عن شهدائها الأسرى بلغت أرقاما فلكية بمقياس البند السابع, وتعامل العراق مع هذا الملف من دون تمييز, وسدد ما بذمته لكل أسير من دون تدقيق أو تفريق, في حين نرى الكويت تتجاهل البدون في تعاملاتها الداخلية, ولم تعترف بهم, فهل سلكت الكويت سلوكا مزدوجا عندما ادعت في العلن انتساب الأسرى إليها, وتنكرت لادعاءاتها في السر, ولم تعترف بانتسابهم إليها ؟؟, وإذا كان الأمر كذلك, ألا يحق للعراق مطالبة الكويت بإدراج البيانات المتعلقة بجنسية وشهادة جنسية كل أسير, وإرسالها في قوائم مفصلة بهدف التحقق من مصداقية الادعاءات الكويتية ؟؟, على أن يصار إلى نشرها في الصحف المحلية في كلا البلدين, فالشفافية والوضوح مطلوبتان عند اللجوء للمكاشفة الوثائقية, وبخاصة في هذا الباب من التحاور المبني على الأسس والأعراف الدولية, ويبقى من حق المنظمات الإنسانية المعنية بحقوق البدون التطرق لهذه الفقرة والتأكد من صحتها. . .

اما أغرب القصص, فهي قصة الجنود البدون الذين ضحوا بأنفسهم, وتصدوا بصدورهم العارية لحمم القنابل, التي استهدفت موكب الأمير, وكانوا عشرة بعدد أصابع اليد, تجنس اثنان منهم بعد استشهادهم بقرار فوري من الأمير الراحل, اما الثمانية, فلم تصرف لهم الجنسية حتى الآن, لكنها صرفت لأثنين منهم بعد مضي سنوات على حادث الاعتداء, ثم أوصدوا الباب بوجه البدون, وليس أغرب من تسريح عناصر الوحدات العسكرية المقاتلة, وإخراجهم عنوة من الخدمة بسبب انتمائهم لفئة البدون. .

ختاما نقول: أليس الولاء هو التضحية ؟. أليس الجود بالنفس أقصى غاية الجود ؟.

إن لم يصدقني وزير الداخلية الكويتي فليستمع إلى هذا الشريط, ثم يحكم بنفسه على ضياع حقوق الناس, وهل يعقل أن بحدث هذا في الكويت ؟؟؟؟؟؟؟. .v