كتاب سبر

Evolution or Revolution That is The Question

حقائق:
دول الخليج العربي الست، دول وراثية الحكم حديثة التأسيس مساحتها الإجمالية 1.031935 ميل مربع وعدد سكانه –مع الأجانب- 42 مليون نسمة تقريباً، وبناتج محلي يقارب 10.000 مليار دولار، بمتوسط دخل الفرد 24 ألف دولار (مع الوافدين). 
تسيطر دول الخليج على حوالي من 34% إلى 40% من إجمالي احتياطي النفط والغاز الطبيعي في العالم، أي أن 1.6% من حجم اليابس يحتكر متوسط 37% من البترول. 
هذه الحقائق المجرده تهدي العاقل مباشرة لتصور هذه البقعة من العالم على أنها الجنة في الأرض وأبناؤها رسل وأنبياء ومُدنها تتجاوز خيال أفلاطون في مدينته الفاضلة.
ما ذكر في بداية المقال حقائق علمية، لكنني لم أنته بعد، فعندي بعض الحقائق الواقعية، وشتان بين الاثنتين:
مؤشر التنمية البشرية الصادر عن صندوق التنمية الإنساني انحصرت دول الخليج العربي الست في معدلات التنمية العالمية مابين المركز32 -55 عام 2010 من أصل 160 دولة تقريباً، أما في مؤشر الشفافية العالمي، فقد انحصرت دول الخليج الست بين المراكز 28 إلى 80 من أصل 160 تقريباً، أما في مؤشر حرية الصحافة والتعبير فحصل أفضلها على المركز 78 عالمياً وتدرجت الأخريات إلى 173!
هذه بعض الحقائق العلمية والواقعية، التي تعرض حجم التفاوت الكبير ما بين قدرات وإمكانات دول الخليج، ومركزها ومكانتها في مختلف الأصعده، وإن تفاوتت بعضها على بعض، لكن العامل المشترك بينها هو عدم تمكين المواطن من المشاركة في إدارة الدولة وأداء دوره الرقابي والتشريعي.
في أوائل التسعينيات ازدهرت حركة الابتعاث الخارجي لدولة الكويت، وازدهر معها التطور والنضج الفكري لجميع شرائح المجتمع، فأصبحت من أوائل الدول الخليجية التي يطالب شعبها بصوت عالٍ، وبشدة سياسية، وجرأة شعبية على المشاركة في الحكم، وأدى ذلك بعد سلسلة طويلة من المطالبات و التضحيات بتشكيل أول برلمان خليجي منتخب بالكامل، لكن الخطوة الكبرى لم تكتمل بإعطاء القدرة للبرلمان على تشكيل الحكومة وظل هذا الخيار بيد رأس الدولة.
مرت دول الخليج بعد استقلالها (1971) -الكويت (1961)- بحالة من الجمود والفتور –تستثنى منه الكويت- في مجالات الفكر والسياسة، ساهم ذلك الجمود في تدني وعي المجتمعات بحقوقها، وتراجع وعي القيادات بواجباتها، فأصبحت الأنظمة تملك سلطة شبهة مطلقة.
مرت رياح الربيع العربي من تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، أكبر وأثقل دول العالم العربي في ميزان القوة، وكان الشباب في دول الخليج العربي الست يراقبون نظراءهم في تلك الدول كيف استطاعوا بعبارة ” الشعب يريد إسقاط النظام” أن يسقطوا أعظم النظم ديكتاتورية وجبروتاً، ولم يكن في أياديهم سوى سلاح الحرية أو الموت في سبيلها.
يرى المراقبون نظم الخليج العربي، أنها نظم شاخت وستجد صعوبة كبيرة في إدارة مجتمعات تطور وعيها وارتفع سقف مطالبها بشكل كبير مقابل جمود في فكر السلطة وتأخر في قراءته للتغييرات السريعة التي صنعتها الثورة الإعلامية، وهنا إن تأخرت السلطة في مجاراة هذا التغيير فإن الخيارين اللذين ستواجههما إما ثورة شعبية، أو مطالب إصلاحية تقتطع من الأسر الحاكمة الجزء الأكبر من الصلاحيات، لكنني أعتقد الخيار الأول مازال غير ناضج والسبب أن بعض شعوب الخليج مازال يحتفظ بشيء من الود للأسر الحاكمة بسبب طبيعة العلاقات العائلية والقبلية المتداخلة في الخليج.
لم تعد فكرة التغيير –نظام جديد- أو التطوير –إمارات وممالك دستورية- تغيب عن ذهن معظم شباب الخليج اليوم، فهو يشحذ في داخله شيئاً لذلك الوقت، لكننا مازلنا نؤمن بشيء من الهدوء والعقل لاتخاذ قرار متزن، تماماً كهدوء ملاك مصنع يرون سوء تصرف مجلس الإدارة الذي أوكلوا إليه حسن التصرف في أموالهم ومصالحهم، ولا يرى في أدائه إلا الانحدار ولن يؤدي ذلك إلا لإفلاسه، وخيارهم الوحيد إما أن يتخذ هذا المجلس قرارات تصحح مسار المصنع، أو استبداله بمجلس إدارة جديد يدير مصالحهم.
ومن الغريب استنكار البعض رغبات الملاك في إصلاح إدارة مصنعهم، ويعتبرون ذلك خروجاً عن النظام العام، وذنباً يستحق العقوبة، ولا أدري من يستحق العقوبة، من أثبت بالأرقام أنه يدمر المصنع؟ أو من أثبتت تضحياته أنه يصحح المسار !
ختاماً: يعتقد البعض أن الهبات والمكرمات المالية تُكسب حب الشعوب ولو مؤقتاً، لكنني اتساءل: لو سرق احدهم منك 1.000.000 دولار، ثم أعطاك منه 10.000 مقابل أن تكف عن ملاحقته والمطالبة بالمليون، فهل ستسكتك الـ 10 آلاف عن حقك؟
ختاماً، أنا فخور بأنني أعيش في زمن جيل قرر أن يتغير وسيصنع التغيير لمجتمعاته، جيل قد بدأ وهو يرى النهاية في ذهنه، إنه جيل سيصنع الحرية والعدالة والتنمية.
——————-

كتب المقال وترجم لصالح إحدى
الجامعات الأمريكية