أقلامهم

حسن جوهر: «الحكوكة» لها مذاق خاص …هل يتذوقها الشعب الكوري الشمالي؟!

حكّوكة شيوعية!

د. حسن عبدالله جوهر
الرهان الآن على الرئيس الشاب كيم يونغ وون الذي عاش ودرس في سويسرا، فورث من جهة فلسفة جده وأبيه ومن جهة أخرى فلسفة الانفتاح والديمقراطية الغربية، في أن يحول هذا البلد وبكل إمكاناته وانضباطيته إلى تجربة جديدة وناجحة من العسكرة إلى الحداثة والصناعة، فـ«الحكوكة» دائماً لها مذاق خاص ولذيذ، فهل يتذوقها الشعب الكوري الشمالي؟!
احتفلت جمهورية كوريا الشمالية بالذكرى السنوية المئوية لميلاد مؤسس الدولة الرئيس كيم إيل سونغ وسط فعاليات سياسية وثقافية وإعلامية صاخبة شاركت فيها وفود من حوالي مئة دولة حول العالم، من بينها وفد أكاديمي من كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت.
وقد كنت ضمن الوفد الكويتي، في أول تجربة جامعية قديمة- جديدة، الذي حضر بعض هذه الأنشطة الاحتفالية، التي في تعددها وتنوعها واستمرارها على مدار الساعة لا يمكن أن تحضرها جميعاً.
وكوريا الديمقراطية يمكن اعتبارها “حكوكة الشيوعية” أي ما تبقى من المنظومة الاشتراكية المغلقة في العالم، والتي تكافح من أجل البقاء في بيئة دولية جديدة تعصف بها رياح التغيير الديمقراطي والانفتاح وحركة الشعوب المطالبة بالحرية والمشاركة في صناعة القرار أمام فتوحات غير مسبوقة في فضاء المعلوماتية والإنترنت ومحطات التلفزة اللا محدودة.
وما زالت هذه الجمهورية الصغيرة تؤمن بفلسفة “الزوتشيه” الداعية إلى اكتشاف الذات وجعل الإنسان هو مصدر القوة والإلهام، والإنسان المقدس في هذه الثقافة هو الزعيم كيم إيل سونغ الذي آمن بشكل مطلق بالعسكرة، وتحولت هذه الفلسفة إلى عقيدة راسخة بين جميع فئات الشعب، فبالإضافة إلى الأعداد الهائلة من أفراد القوات المسلحة، حتى الأطفال يتوجهون إلى مدارسهم بعرض عسكري وانضباطي، وكذلك الحال بالنسبة إلى العمال وهم يذهبون إلى مقار عملهم ويعودون منها.
وعلى الرغم من الأجواء المغلقة وغياب معظم أنواع الاتصال في العالم الخارجي، وتراجع معالم المدنية الحديثة والتكنولوجيا المتطورة، فإن آخر جمهوريات الشيوعية تعيش حالة متميزة من الأمن الداخلي، إذ تسجل أدنى معدلات الجريمة بكل أنواعها في العالم، ولا يوجد أي متسول في الطرقات والأماكن العامة، التي تشدك رغم رتابتها وقدمها من النظافة العالية والانضباطية.
ومن الانطباعات الرئيسة التي تخرج منها عن هذا البلد أنه يعيش حالة قلق ما بين التباهي والاعتزاز بتجربة الكرامة الشيوعية والخوف من أن تعصف بها حركة التغيير التي لم تسلم منها حتى الدول العربية أخيراً، وتمتزج الرغبة في الانفتاح مع الخوف من تكرار الانفجار الديمقراطي الذي شهدته الدول الشيوعية في أوروبا والاتحاد السوفياتي، وباتت شعوبها تترحم على ماضيها بعد تفشي الفقر والجريمة والفوارق الطبقية.
والرهان الآن على الرئيس الشاب كيم يونغ وون الذي عاش ودرس في سويسرا، فورث من جهة فلسفة جده وأبيه ومن جهة أخرى فلسفة الانفتاح والديمقراطية الغربية، في أن يحول هذا البلد وبكل إمكاناته وانضباطيته إلى تجربة جديدة وناجحة من العسكرة إلى الحداثة والصناعة، فـ”الحكوكة” دائماً لها مذاق خاص ولذيذ، فهل يتذوقها الشعب الكوري الشمالي؟!