كتاب سبر

فواتير الدولة

بالرغم من كراهيتي لمحطات الأخبار والقنوات الوثائقية، قدّر الله وماشاء فعل .. شاهدت برنامجاً على إحدى الفضائيات، يتحدث وبالتفصيل حول كيفية بناء نموذج كامل للسفينة العملاقة (التايتانيك) والتي غرقت في العام 1912، وذلك عن طريق مراجعة أرشيف الفواتير وشراء واستخدام ذات المواد التي صنعت منها السفية بكل ما فيها من زجاج وخشب وحديد ونحاس وذهب وثريات وأثاث وكماليات … وخلافه.


فتخيلوا اضطرارهم إلى البحث في الفواتير عن الورشة التي صنعت المرساة مثلا، والتأكد عن طريق الفواتير من كميات الحديد والمواد المضافة، وتصنيعها مرة ثانية بذات الطريقة، وتخيلوا بحثهم عن ورشة مشابهة في حال انعدام وجود ذات الورشة، وكيفية إعدادهم للمواد بذات الأسلوب القديم، وكأنما يعيدون استنساخ (التايتانيك) من جديد وبذات الشيفرة الوراثية، وتخيلوا كذلك لو أردنا في الكويت أن نعيد تصنيع اي شيء لدينا بالعودة إلى الفواتير القديمة، الفكرة بحد ذاتها مضحكة، لأن الفواتير .. فواتيرنا … لا تعبر على الإطلاق عن واقع الحال، وإنما تعبر عن مجموعة من (الخزعبلات) والمصالح المعقدة، والمصافيط المحصورة، والعلاقات التوظيفية والتعيينية والشرائية التي تجعل الواقع مجرد فكرة باهتة عن الخيال .. الخيال في التفنن بسرقة الميزانية وإختلاس مقدرات الدولة بعلم الجميع، موافقة الجميع، وتواطؤ من الجميع .. الجميع بلا استئناء !


فلن يجد الباحث عن الحقيقة في الكويت، أي تطابق بين حساب (الجود) وحساب (الماجود) ، فكلنا في الهوا سوا، إذ أن الإعتداء على المال العام سُنة وليس عيباً، وتشريع فوق التشريعات، وفرض فوق الدين، وشريعة فوق القانون، فالسرقة ليست عاراً بل شطارة .. ومهارة .. وجدارة كذلك، وطولة وجه، ومن لا يقترفها أو يعين عليها يصبح أضحوكه ومسكين و (هايشه) وجاحد لنفسه، وناكر لأصله وفصله ومرباه !



ولا تصدقوا أنهم كانوا أقل فساداً لأنهم كانوا أكثر أخلاقاً وتديناً، لا بل على العكس فإن الناس اليوم أكثر أخلاقاً وتديناً من قبل مائة عام مثلاً، ولكن الموارد كانت شحيحة آنذاك، فأكتفى الفاسدون السابقون بالقليل تحت رعاية عائلاتهم وأقاربهم ومريديهم .. تخيلوا أننا نريد الآن إعادة إنشاء جزيرة فيلكا، أو مصفاة ميناء الشعيبة، أو مدرج المطار الدولي، أو حتى مبنى المستشفى الأميري، أو مبنى البرلمان، أو أي مرفق في الدولة عن طريق الخصخصه أو اللسلسه، فـ سنكتشف أن ما هو مكتوب بالفواتير لا علاقة له بالواقع، وسنجد مثلاً أننا إشترينا (إسمنت) وحديد مسلح لمبنى مصنع المطاحن في الشويخ مثلاً، تبني عشرة مصانع من ذات الحجم ، وأن الفواتير تتحدث عن حديد تسليح سميك، بينما نجد في المباني الحديد المسلح الشبيه بمعكرونة الأسباكتي، ولنا في إستاد جابر خير دليل وبرهان.



لذلك أتمنى على كل من يريد اعادة إنتاج الماضي على شكل مشاريع كويتية عامة، أن يبحث عن آلية أخرى للتنفيذ .. غير نسخ العطاءات وأساليب التلزيم والتأزيم وفواتير المواد المستخدمة، ناهيك عن عدد المستخدمين و(القائمين على) .. وسيلاحظ من يعمل على ذلك فوراً، أن السرقات تحصل بكثافة وتنظيم وكفاءة، وأن كل مشروع يتم خلاله تعيين أكثر من ثلثي الكادر عدداً تحت المسمى الوظيفي : مراقب !



                       *******



‏?في الكويت  تُطرح المناقصة لتنفيذ مشروع ما، ويكون المتقدمين كالآتي :



 *  شركة أمريكية
 *  شركة هندية
 *  شركة كويتية 



وعند فتح المظاريف للمفاضلة بين المتقدمين  ، تجد التالي :
المظروف الأمريكي :
تكلفة القيام بالمشروع 9 ملايين دينار على النحو التالي :
(4 ملايين تكلفة المواد – 4 ملايين تكلفة الإنشاء والتشغيل – مليون دينار  فائدة الإنجاز)



المظروف الهندي :
تكلفة القيام بالمشروع 7 ملايين دينار على النحو التالي :
(3 ملايين تكلفة المواد – 3 ملايين تكلفة الإنشاء والتشغيل – مليون دينار  فائدة الإنجاز)



المظروف الكويتي  :
تكلفة القيام بالمشروع 21 مليون دينار !



فتعجب المسؤولين في لجنة المناقصات وسأل أحدهم مندوب الشركة الكويتيه عن تفاصيل صرف المبلغ .. فكان الرد كالتالي :
(7 ملايين لك .. و 7 ملايين لي .. و 7 ملايين نعطيها الشركة الهندية لتنفذ المشروع !



فتم إرساء المناقصة على الشركه الكويتيه  !



ببساطة : هكذا تتم المشاريع في بلادي.



                      ********



سمع قوم بأن المدفعية التي تقصفهم ما هي إلا ماسورة مجوفة يتم وضع المتفجرات فيها مع كرات بارودية ومعادن من أجل الإيذاء، فقرروا أن يصنعوا مدفعهم الخاص، ولأنهم لا يملكون ماسورة معدنية عملاقة، فقد عمدوا إلى تجويف جذع شجرة وحشوه بالبارود والرصاص ووجهوه نحو مواقع الأعداء وأشعلوا فيه النار .. طبعاً تخيلتم الوضع : فقد إنفجر جذع الشجرة فيهم وقتل منهم الكثير .. نظر رجلٌ منهم وهو مصاب والدم ينزف منه من كل مكان .. نظر بإعجاب إلى زملائه القتلى وقال :


إذا مات منا عشرة ومن طلقة واحدة فقط .. فكيف الوضع إذا ما سقطت عليهم ؟ (يقصد من تم توجيه القذيفة المفترضة إلى مواقعهم).
السؤال المطروح : هل عرفتم هؤلاء القوم ؟


 



FaisaiBnOmer@