أقلامهم

عبدالله بشارة: أحمد السعدون و إخفاقات الرئاسة…الصداقات والخصومات !!

أحمد السعدون.. إخفاقات الرئاسة وأوجاعها

عبدالله بشارة
اشتهر السيد أحمد السعدون رئيس مجلس الأمة الحالي بضبط الجلسات وحسن الادارة والمعرفة اللصيقة باللوائح، لاسيما اللائحة الداخلية للمجلس، وكان المرجعية العامة للأعضاء عندما تتسع الاجتهادات حول صواب السؤال وشرعية التدخل وقانونية المحاسبة، ولم يكن المطلوب أكثر من ذلك، فليس من المعقول ان نتوقع ان يسيطر السعدون على آراء الأعضاء، وينجز الاجماع الفكري والسياسي بين الأعضاء في وحدة برلمانية مستحيلة، وعندما عاد، بعد غياب قسري طويل، كان شعور الناس بأن السعدون قبطان يتحكم في سير المداولات، ويملك قامة خاصة بين الأعضاء لخبرته وصرامته، وأنه سيفضح المتطفل ويخرس الوقح ويشجع المحق ويوقف الفج ويسدل الستار على الكوميدي.
ومنذ بداية المجلس في فبراير الماضي، تولى السعدون الرئاسة داخل القاعة، بعد ان نجح في الفوز بمقعد الرئاسة ووضع بذلك حدا لنهاية الغربة عن المطرقة التي اشتهر في استعراضها في وجه المشاغبين، لكن سعدون زمان لم يتجدد مع سعدون اليوم، ويشعر الناس المتابعون بأن الجذوة التي كانت ترافقه قد وهنت وضعف بريقها، وأن الحيوية التي كانت تشكل تحركه وتدخلاته انحسرت كثيرا بمقياس ما تعودنا عليه.
هذا الاستنتاج ليس من عندي، وانما من كثيرين، وكنت أقول إن رئاسة السعدون الحالية آتت وسط تشكيلة مختلفة تماما عن تركيبة الماضي، جاءت الانتخابات من حملات متعارضة ومن منافسة سياسية حادة، تسيدتها قناعات طائفية وحسابات قبلية واجتهادات متعارضة، وكانت الخريطة السياسية في الانتخابات الأخيرة، مختلفة بألوانها عن خريطة العهد القديم.
فلأول مرة تصطدم الرئاسة مع معارضة، يطلقون عليها الأقلية، لها فلسفات ومفاهيم وجدول أعمال وحسابات تختلف عن الملف الذي يحمله السعدون، وهناك كتلة المعارضة الأخرى التي أيدت السعدون واعتبرته عضوا بارزا فيها، ان لم يكن حكيمها المجرب، وهذه الكتلة اشتهرت الآن بقسوتها على الوزراء وعلى سياسات الحكومة، ولها جدول أعمال مكتظ بالمقبول وبالمرفوض، وخياراتها متأرجحة بين السهل وبين الغليظ، وبين ما يتحمس له المجتمع وبين ما يشق صفوفه.
وعلى الرصيف الآخر هناك كتلة الأقلية، وهي صلبة في مواجهة الملف المثير الذي تتبناه المعارضة التي ينتمي اليها السعدون، وتريد المباركة له من هذا المجلس، بينما مجموعة الأقلية، وهي كتلة الأقلية الرافضة، لها توليفة بين من يعتبرونهم مناصرين لحكومة الماضي، وبين مجموعة أخرى لها طيف الموروث وتتمسك بثوابت الكويت في الاعتدال وتقدر ثمار الوسطية ولا تميل الى القفز الاستعراضي في طلباتها وترى المجلس الآن حلبة صراع بين تجمع كبير يريد الاملاء أحيانا بالهدوء ومعظم الأحيان بالفوضوية المربكة مما يثير أعضاء الأقلية الذين وجدوا أنفسهم في حالة من اتهامات بالغمز واللمز، أحيانا بالتبعية ومعظم الأحيان بالتهميش والتجاهل، مع شعور بالمحاباة من الرئاسة التي تختلف معهم في نقاط النظام وفي توقيت المداخلات وفي سلم الأولويات.
ولأول مرة نرى مجلس البرلمان ساحة من الكرنفالات المسلية والمؤلمة، فيها الطريف والظريف، وفيها الساخر وفيها شيء من سلوكيات شبيحة سورية.
ونعود بعد هذا الاستعراض الذي يردده أهل الكويت، مع رسالة الى الرئيس السعدون بأن تعطي رئاسته للمجلس، وربما تكون آخر رئاسة وآخر فصل في مسيرته السياسية البرلمانية، تعطي أهمية خاصة للحقائق التالية، وهي سجل لواقع يعرفه جيدا:
أولا – ان ينظر جديا في جدوى الفوضوية الاستجوابية التي تقدم للمجلس دون مبررات كافية ودون قضايا مقنعة تستوجب مثل هذا السلوك، فالاستجواب ليس اجراء سهلا يمر دون اسقاطات، وانما جاء كآخر العلاج مثل الكي، وبعد لائحة من الخطوات البرلمانية المعروفة. والاستجواب في الكويت يحمل معه أسعارا سياسية واجتماعية ومعنوية يجب عدم الاستخفاف بها، وهو اجراء معطل في بلد صغير متداخل ومتشابك في عواطفه ومصالحه.
ومسؤولية الرئيس ان يحد من هذا السيل المزعج لمسار الدولة والمربك لمصالحها، فالرئيس يتحمل المسؤولية التاريخية في حماية الحياة البرلمانية وعليه واجب سياسي وأخلاقي في تأمين مصالح الدولة والانسجام مع طموحات المجتمع.
ونظرة عاجلة حول استجواب رئيس الوزراء واستجواب وزير الاعلام في الأيام الأخيرة، تقدم صورة كاملة عن الاستخفاف بهذا الاجراء الحيوي والحساس.
ثانيا: لابد ان يعي الرئيس خطورة المطبات العميقة التي ستقع فيها الكويت، اذا ما تحققت مساعي الراغبين في العبث بالدستور باضافة مفردات على المادة الثانية، من أجل اخراج الكويت من لباسها وطاقمها الاجتماعي ونسيجها التاريخي كدولة مدنية ونقلها الى عالم الخلاف والاختلاف، وعلى الرئيس ان يساهم من خزينة تجاربه ومن معرفته برقة البنية السياسية والاجتماعية الكويتية في تطويق هذا المنحى حفاظا على الوئام السياسي وعلى سلامة الدولة واستقرارها.
لا يهمنا الكلام الاعلامي المعبر عن مؤشرات الطامحين، على شرط ان تبقى هذه التحركات كأحد مظاهر التجاذب البرلماني، وهنا ننوه بدور ونفوذ الرئيس، وهو وفق اللائحة البرلمانية شريك في تأمين سلامة الدولة، وله برنامج أسبوعي مع المقام السامي في الحوارات المصيرية العالية.
ثالثا: مثل غيره من أبناء الكويت، يعرف الرئيس المتفجرات الخطرة التي يفرزها العراك الطائفي، ويدرك الرئيس أن المداخلات داخل القاعة تعدت الحوارات المتبادلة الى تهديدات وخناقات وهوشات وتحمل في مفرداتها آخر الابداعات في البذاءة والسوقية، شارك فيها المتفرجون الزوار والمتابعون الذين لم يقاوموا إغراء المشاجرات فدخلوا فيها.
وآفة المجتمعات المتخلفة هي الطائفية والعنصرية والتعالي والاستصغار، وعلاجها يكمن في غرس مفاهيم المواطنة والمساواة وتحفيز الكفاءة، ويعرف الرئيس أن المجتمع الكويتي متذمر ويعاني وساخط على هذا الواقع، ولا يستطيع الرئيس ان يغلق أذنيه عن حقائق ستكبر اذا لم يبادر بمواجهتها.
رابعا: لايمكن اعفاء الرئيس من مسؤوليته في الحفاظ على أبهة المجلس وكبريائه وصورته، فالعضوية البرلمانية هي موقع مميز في سلم المجتمع، له وقاره وله خصائص في المسلكيات، وأبرز ما فيها ان النائب حارس القانون وحامي الانضباط، ومع الأسف في حالتنا في الكويت صار النائب متجولا في الوزارات حاملا ملفات الوساطات متجاوزا حق الكفاءة ومتعديا على النظام العام وواضعا بذور الاستياء والحقد داخل المجتمع، وقد وصلت الحالة الى التلصص على الملفات واستنساخ الوثائق، واذا كان الرئيس محرجا في مكافحتها، فلابد من وضع وثيقة القيم والسلوك، لتثقيف النائب بأن مقامه التشريع والمحاسبة وليس تكسير القواعد لمنافع الناخبين من قوائم التبعية والطائفية والأخوية.
ونرجوا ان يختتم الرئيس السعدون فصل حياته المثير الطويل بشيء مشابه لهذا الاقتراح.
خامسا: برلمان الكويت يصرخ باعتزاز بثلاثة رموز يعبر عنها بأجواء الأبهة، وهي تأكيد الشرعية بالولاء لمبادئ الدستور، والتجديد في حياة الدولة، بالتفاعل مع التطوير والانفتاح والاستفادة من معجزات الابتكار، والثالثة الوسطية (الاعتدال) كما يطلق عليها، والشرعية معناها الثوابت التاريخية التي أمنت للوطن ديمومته، والتجديد هو روح العصر في المعارضة للجمود، والتجديد حيوية المجتمع وابداعه وتعظيم ثقته بنفسه، والاعتدال طريق التوافق، والانجازات التي ينشدها المواطن من مجلس الأمة الحالي، وتحت قيادة الرئاسة الحالية، هي تنفيذ برامج وبناء مؤسسات وتركيز على التعليم والعلم وفتح الأبواب الواسعة للثقافة الانسانية، وهي خلاصة نهج الاعتدال.
ودور الرئيس ان يقاوم نزعة الانغلاق وتكتيم الأنفاس وهي نزعة يتولاها بعض الأعضاء مهددين ومتوعدين، ونقول إن الفساد الذي نريد ازالته، يعيش ويتفوق في جو الانغلاق والمطاردة والتضييق على الحريات.
واجب الرئيس السعدون، في هذه المرحلة المبكرة من عمر المجلس، ان يحرص على بقاء المجلس واستمراره مع التأكيد ان يكون السعدون رئيس الجميع، من صوّت له ومن عارضه، فهو يقود تجربة تاريخية تتعرض للأذى اذا ما شعر بعض النواب بأنه رئيس محابٍ ومتحزب ومجامل.
وحصيلة ذلك هي عداوات وخصومات ومنازعات، والنجاح يقاس بحجم الصداقات التي يملكها الرئيس، والرئيس السعدون على علم بذلك.