أقلامهم

جعفر رجب: «حديث تجنيس ونعمة» لا يحق له حتى إظهار ولائه لوطنه!

أنا وصلت قبلك

جعفر رجب
الوطن ليس مطعماً، حتى توبخ الجرسون، وتقول له، أنا حضرت قبل الآخرين، ويجب أن يصل طلبي قبلهم، ولا هي محطة بنزين، تملأ خزان الوقود قبل الآخر لانك وصلت قبله، ولا هي أريكة بالصالة – هذه ثاني مقالة أكتب فيها عن الأريكة – يتعارك الأولاد على المكان الذي يجلسون به، مدعين أن من يصل قبل الآخر من حقه اختيار المكان، ولا هي دجاجة على الغداء يستحوذ على الفخذ من يصل قبل غيره إلى السفرة، ولا هو سباق عدو يحصل من يصل قبل الآخرين على الجائزة الكبرى!
مواطنون، كل بلغ من العمر عتيا، ومازالوا كالأطفال «يتعاييون» حول من وصل قبل الآخر إلى هذه البلاد، ومن منهم كان قبل الآخر، وكأن من وصل قبل الآخر يحمل كميات من دم الوطنية تفوق غيره!
مواطنون كل يحمل شهادة «قد راسه» يعلقها على مكتبه، ومع ذلك يعتبر الأقدمية إنجازاً ما بعده إنجاز، وانه أصل وفصل البلد، والبقية إما قدموا إلى البلاد باللنجات أو البعارين، وحده نزل إلى هذه الأرض عبر مكوك الفضاء!
مواطنون كل يحمل من الأموال ما لا تحمله قوافل هارون الرشيد، ومع ذلك يعتبر المعاش الذي يحصل عليه الفقير نظير عمله، صدقة ومنة منه ومن آبائه وأجداده السابقين الذين كانوا يسرقون قوت الغاصة المساكين… وهذا الحق اكتسبه فقط لأن أجداده وصلوا إلى آبار النفط قبل غيرهم!
لو كانت الأمور تتوقف عند فقط التفاخر، وبيان تاريخ آبائه في العمل من أجل هذا الوطن لهان الأمر، ومن منا لا يفتخر، ولكنه يريدها صكا وحصانة لكل ما يفعل ويقول، يريدها حصانة لكل فساد يرتكبه، ولكل سرقة واختلاس يقوم به، وفوق هذا يريد أن يعطي لنفسه صك الوطنية والولاء فقط لأنه «وايد قديم»، وغيره «حديث تجنيس ونعمة» لا يحق له حتى إظهار ولائه لوطنه!
يا سيدات ويا سادة، ليس مهماً من يصل قبل الآخر، بل مَنْ يقدم مصلحة وطنه قبل مصالحه، وليس مهماً من يصل قبل الآخر بل من يهرب موليا من البلد قبل الآخر عند الأزمات والمحن، وليس مهما من يصل قبل الآخر بل من يقدم نفسه فداء للوطن قبل الآخر!
يا سيدات ويا سادة، بدلًا من التغزل بمجد آبائكم وأجدادكم وتأليف القصص الخيالية عن بطولاتهم، حاولوا أن تبنوا مجداً لأبنائكم!