برلمان

أحمد لاري يوزع مذكرة بيّن فيها مواضع “الخلل” في عقوبة الإعدام لمن يسبّ النبي

وزع النائب أحمد لاري على أعضاء اللجنة التشريعية البرلمانية مذكرة ضمّنها ما وصفه بـ”مواضع الخلل والإشكال” 
في القانون المقترح بشأن تغليظ العقوبة على الطاعن بالذات الإلهية أو النبي صلى الله عليه وسلم أو عرضه أو عرض أزواجه، وذلك وفقاً لرؤية مختلف المذاهب الإسلامية.
وتضمنت المذكرة عدداَ من المحاور أبدى لاري من خلالها ملاحظاته على تغليظ العقوبة على المسيء للنبي لتكون الإعدام، وطلب إضافة بعض القيود على هذه العقوبة مستنداً على أقوال بعض أئمة أهل السنة  في شأن التعرض بالسب أو القذف لأزواج النبي،.
سبر تنشر المذكرة كاملة كما وردت إليها:
 
•نود أنْ نؤكد في البداية على بعض النّقاط الأساسية: 
1.لا خلافَ على ضرورةِ تغليظ العقوبة على الطَّاعن في الَّذات الإلهية والأنبياء (ع)، خصوصاً نبيِّنا محمد (ص)، لحفْظِ وصيانة مقامهم العالي عن سفاهةِ السُّفهاء الذين يتعمَّدون الإساءة. 
 
2.لا خلافَ على حُرْمةِ اتِّهام أم المؤمنين عائشة بما يخِلُّ بشرفِها، بل هذا الأمر يسري على سائر نساءِ الأنبياء، خصوصاً سيِّدُهم النبي محمد (ص). فقد جاء عن النبي (ص) – أو عن ابن عباس – أنَّه قال: “ما بغَت امرأةُ نبيٍّ قط.(1) 
3.من واضحاتِ الإسلام، أنَّهُ شدَّد على حُرمة الدِّماء والأعراض والأموال، وخصوصاً الدِّماء. قال الله تعالى: “مِنْ أَجْلِ ذَ?لِكَ كَتَبْنَا عَلَى? بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَ?لِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ” (32)  (سورة المائدة). 
وروى مسلم في صحيحه – في باب تغليظ تحريم الدِّماء والأعراض والأموال – عن أبي بكرة (مُلخَّصاً) أنَّ النبي (ص) خطَبَ المسلمينَ في منى يوم النَّحْر، قال: أي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: أليس ذا الحجة؟ قلنا: بلى، قال: فأي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: أليس البلدة؟ قلنا: بلى، قال: فأي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: أليس يوم النَّحْر؟ قلنا بلى، قال: فإنَّ دماءَكُم وأموالَكُم (وأعراضَكُم) حرامٌ كحُرْمةِ يومِكُم هذا في بلدِكُم هذا في شهْرِكُم هذا، وستلقَوْنَ ربَّكُم فيسألكم عن أعمالِكُم، فلا ترجعُنَّ بعدي كفاراً (أو ضُلاَّلاً) يضرِبُ بعضَكُم رِقابَ بعض، ألا ليُبلِّغ الشاهد الغائب، فلعلَّ بعض من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه، ثمَّ قال: ألا هل بلغت؟
4.تسالمَ المسلمون على قاعدةٍ فقهيةٍ معروفة، هي “قاعدة الحُدُود تُدْرَأ بالشُّبُهات”، ومعناها وجود شبه جعلت الفاعل يتخيل الجواز مما يستلزم عدم إقامة الحد على العمل الذي يقع اشتباهاً (جهلاً بالموضوع أو الحكم)، استناداً للحديثِ المشهور عن النبي (ص): ادرؤوا الحُدُودَ بالشُّبُهاتِ. 
المحور الأول: ملاحظات حول صياغة القانون (نقد داخلي)
في هذا المحور نُسجِّل بعض الملاحظات على صياغة القانون كما انتهت إليه اللجنة (مادة 111 مكرراً)، والذي نصَّ على ما يلي: “يُعاقب بالإعدام أو الحبس المؤبَّد كل من طعن علناً أو في مكان عام يستطيع فيه سماعه أو رؤيته من كان في مكان عام، عن طريق الاستهزاء أو السخرية أو التجريح، بالقول أو الصياح أو الكتابة أو الرسم أو الصُّور أو أي وسيلة أخرى من وسائل التعبير عن الفكر، إلى الذات الإلهية أو الأنبياء والرسل، أو طعن في عرض الرسول (ص)، أو عرض أزواجه، إذا أصرَّ على جرمه ورفض التوبة….إلخ”. 
الملاحظة الأولى: لابد من إضافة بعض القيود، كقيد “القَصْد”، فيُقالُ مثلاً: “في مكان عام قاصِداً الاستهزاء أو السخرية أو التجريح”. فقد ذكر فقهاء المذهب الجعفري أنْ لا عبرةَ بما يقع بلا قصْد، كالسَّاهي والغافل أو الغاضب غضباً لا يملك معه نفسه. أيضاً لابد من إضافة قيد “البلوغ”، و”العقل”، و”الاختيار”. 
الملاحظة الثانية: الطعن في عرْضِ زوجات النبي (ص)، إنْ كان طعناً في عرْضِ النبي (ص)، فلا وجْهَ لإضافةِ عبارة “أو عرْض أزواجه”، لأنَّ العبارة التي سبقتها تُحقِّق الغرَض. ولايمكن القول بأن طعن بعرض النبي وإلا لماذا لم يقتل من اتهم زوجة النبي في حادثة الإفك المشهورة، نعم يمكن في بعض الموارد التي ينسب فيها إلى الزوج انه متسامح أو متهاون في أمر زوجته التي تمارس الفحشاء فيكون هناك تلازم بين اتهام الزوجه واتهام الزوج مما ينتج عنه تهاون الزوج في عرضه هنا يعتبر طعناً في عرض الزوج وإلا لا تلازم في ذلك.
الملاحظة الثالثة: عندما يُضيفُ القانون عبارة “أو عرْض أزواجه” فهلْ يقصد كل أزواج النبي (ص)، أو خصوص أم المؤمنين عائشة؟ 
إنْ كان يقصد كل أزواج النبي (ص)، ففيه (كما يقول ابن تيمية في الصَّارم المسلول) قولان: أحدهما أنَّهُ كسابِّ غيرهنَّ من الصَّحابة (يُضرَب ضَرْباً نكالاً)، وبالتالي لم يتَّضح وجه اختيار حُكْم الإعدام أو الحبس المؤبَّد لسابِّ بقية أزواج النبي (ص). خصوصاً إنْ كان السبُّ بغير القذف؛ فقد ورد في الموسوعة الفقهية الصادرة عن وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية تحت عنوان “سبُّ نساء النبي (ص)”: “أما إنْ كان السبُّ بغير القذف لعائشة أو غيرها من أمهات المؤمنين فقد صرَّحَ الزَّرقاني من المالكية بأنَّ السابَّ يُؤدَّب، وكذا البهوتي من الحنابلة فرَّقَ بين القذف وبين السَّب بغير القذف، وهو ما يؤخذ من كلام عامة الفقهاء وإنْ لم يصرحوا بذلك”.(2)
وإنْ كان المقصودُ خصوص أم المؤمنين عائشة، انطلاقاً من القول بأنَّ من رماها فقد كذَّب بالقرآن الذي برَّأها، فهذا لا يصحُّ إلا عند ثبوت أمرين: 
الأول: عِلْمُ المُتَّهم بنزول آية في حادثة الإفك، والاتِّهامات التي وُجِّهت لأم المؤمنين عائشة. 
الثاني: ثبوت نزول آيات الإفك في أم المؤمنين عائشة دون غيرها من نساء النبي.
المشكلة في الأمر الأول أنَّ كثير من المسلمين البسطاء لا يعلم أصلاً بحادثة الإفك، ولا يعلَم بالاتِّهامات التي وُجِّهت لأم المؤمنين عائشة، ولا يعلم بنزول آية في ذلك.
والمشكلة في الأمر الثاني أنَّ ثمة خلاف بين بعض الباحثين في أنَّ التبرئة هل نزلت في حقِّ أم المؤمنين عائشة كما هو الشَّائع؟ أم في حقِّ مارية القبطية كما تذكُر بعض مصادر أهل السُّنة؟ 
فقد روى مسلم في صحيحه (كتاب التوبة، باب براءة حرَم النبي صلى الله عليه وآله من الريبة) عن أنس أنَّ رجُلاً كانَ يُتَّهم بأُمِّ وَلَدِ رَسُولِ اللهِ (ص)،(3) فقالَ رسولُ اللهِ (ص) لعليٍّ: اذْهَبْ فاضْرِبْ عُنُقَهُ، فأتاهُ عليٌّ فإذا هو في ركِيٍّ يتبرَّدُ فيها، فقالَ لهُ عليٌّ: اخْرُجْ، فناوَلَهُ يدَهُ فأخْرَجَهُ، فإذا هو مجبوبٌ ليسَ لهُ ذَكَرٌ، فكَفَّ عليٌّ عنْهُ، ثمَّ أتى النبيَّ (ص) فقالَ: يا رسولَ الله! إنَّهُ لمجبوبٌ، ما لَهُ ذَكَرٌ. 
وذكَرَ ابنُ سعد هذه الحادثة في الطَّبقات في ترجمة مارية،(4) وكتَبَ: “فقالَ أهلُ الإفك والزور: مِنْ حاجتِهِ إلى الوَلَد، ادَّعى ولَدَ غيرِهِ”! أي من حاجةِ النبي (ص) إلى الولَد، ادَّعى – حاشاهُ (ص) – أنَّ إبراهيم ابنَهُ. 
لذا يرى بعضُ الباحثين أنَّ نزول آيات الإفك، لتبرئة مارية. والأهم من ذلك أنَّها نزلت لنفي اتِّهامات أهل الإفك بأنَّ إبراهيم لم يكن ولَد النبي (ص). وتبرئة مارية مع تأكيد بُنُوَّة إبراهيم للنبي (ص) لا يقِلُّ أهميةً عن تبرئة أم المؤمنين عائشة التي لم يكن لها ولَد. 
هذا بالتأكيد لا يعني السماح باتِّهام أم المؤمنين عائشة. حاشى لله. فاتِّهام مسلمة بالزِّنا هو من الكبائر العظيمة التي تُوجِب اللَّعن في الدُّنيا والآخرة والعذاب العظيم (كما صرَّحت آية 23 من سورة النور) 
نستنتج من ذلك أنَّ آيات الإفك إنْ لم يثبُت عند الطاعن نزولُها في أم المؤمنين عائشة، فلا يكون اتَّهامها – والعياذ بالله – بالزِّنا تكذيباً للقرآن، بل قَذْفاً يستوجِبُ الجلد (ثمانون جلدة)، لا الإعدام أو الحبس المؤبَّد!
الملاحظة الرابعة: وفقاً للمذهْبَ الجَعْفري لا يستوجِبُ القتل سابّ الذَّات الإلهية والنبي (ص) فقط، بل أيضاً سابّ أئمة أهل البيت (ع) وابنتَهُ فاطمة الزهراء (ع). 
وقد يُستدلُّ على حُكْم سبّ الإمام علي (ع) بما رواهُ الحاكم في مستدركهِ عن أبي عبد الله الجدلي أنَّه قال: حجَجْتُ وأنا غلام، فمرَرْتُ بالمدينةِ وإذا الناس عنقٌ واحد، فاتَّبعتهم، فدخلوا على أم سلمة زوج النبي (ص)، فسمعتُها تقول: يا شبيب بن ربعي، فأجابَها رجلٌ جلفٌ جاف: لبَّيْكِ يا أمتاه، قالت: يُسَبُّ رسول الله (ص) في ناديكم؟ قال: وأنَّى ذلك، قالت: فعلي بن أبي طالب، قال: إنَّا لنقولُ أشياءً نريدُ عرَضَ الدُّنيا، قالت: فإنِّي سمعتُ رسولَ الله (ص) يقول: من سبَّ علياً فقد سبَّني، ومن سبَّني فقد سبَّ الله تعالى.(5)
كما قد يُستدلُّ على حُكْم سبّ ابنته فاطمة الزهراء بالحديث المرْوي عن النبي (ص): فاطمة بضعةٌ منِّي فمَنْ أغضَبَها فقدْ أغضَبَني (صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب مناقب قرابة رسول الله ومنقبة فاطمة)، يُريبُني ما أرابَها ويُؤذيني ما آذاها (صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب ذب الرجل عن ابنته. أنظر أيضاً صحيح مسلم، باب فضائل الصحابة، باب فضائل فاطمة). وسبُّ فاطمة الزهراء (ع) هو بالتأكيد يُؤذي النبي (ص). والله سبحانه يقولُ في كتابه: “وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61)” (التوبة). 
يقولُ أحد فقهاء المذْهَب الجَعْفَري مُعبِّراً عن الموقف المشهور بينهم: “لا إشكالَ في وجوبِ قتل سابّ الصدِّيقة الطَّاهرة سلامُ اللهِ عليها لو رجَعَ سبُّها إلى سبِّ النبي (ص). وأما مع عدَمِ رجوعهِ إليهِ فالظاهر لحوقه بسبِّ النبي (ص) والإمام (ع)؛ لما مرَّ من أنَّهُ يُعلَم من الخارج أنَّها بحُكْمِهِم، ويترتَّب عليها ما يترتَّب عليهم، وأنَّ ارتباطَها بمقامِ النبوة والإمامة ارتباطٌ خاصٌّ لا يوجد في غيرِها، وما وردَ في شأنِها وعلوِّ مقامَها وعِظَمِ مكانَها لا يُعدُّ ولا يُحصى، وقد وردَت آيةُ التَّطهير في شأنِها وشأنِ أبيها وبعلِها وبنيها، وهي الكوثر الذي أعطاهُ اللهُ النبيَّ (ص)، وعليه فلا ينقُص احترامَها عن احترامِهِم صلواتُ الله عليها وعليهم أجمعين”.(6)
 
وبناءً على ذلك، نرى ضرورة إضافة أئمة أهل البيت (ع) وفاطمة الزهراء (ع)، ليكون القانون على هذا النحو: “أو طعن في عرض الرسول (ص)، أو سب أئمة أهل البيت (ع) أو فاطمة الزهراء (ع)”.
الملاحظة الخامسة: يُصرِّح القانون بأنَّهُ “يُعاقب بالإعدام أو الحبس المؤبد كل من طعن علناً….عن طريق الاستهزاء أو السخرية أو التجريح”. وثمَّة مشكلة في كلماتٍ من قبيل “الاستهزاء أو السخرية أو التجريح”، خصوصاً في المواقف غير الحاسمة، والتعابير الموهمة. 
فلو قال قائل مثلاً: “أنا لا أؤمن بالله الذي على صورةِ شابٍّ أمرَد” (كما ورد في بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية، أنَّهُ ورَدَ في الحديث الصَّحيح عن النبي (ص) أنَّه قال: رأيتُ ربِّي في صورةِ شابٍّ أمرَد لهُ وفرة جعد قطط في روضةٍ خضراء، أنظر المرفقات في الباب الرابع). 
فهل نتَّهم القائل بأنَّهُ يستهزئ ويسخر من النبي (ص) لأنَّ ابن تيمية يرى صحَّة هذا الحديث؟ وهل نتَّهمه بالإلحاد لأنَّه قال “أنا لا أؤمن بـ..”؟ أم نقول أنَّه أرادَ تنزيه الذَّات الإلهية عن التَّشبيه والتَّجسيم، وأرادَ تنزيه النبي (ص) عن نسبةِ ذلك إليه، لكنَّه استخدمَ تعبيراً موهماً؟ 
هذه مشكلةٌ حقيقية…ففي كثيرٍ من الأحيان، يريد القائل تنزيه الذَّات الإلهية، وتنزيه النبي (ص)، عن تصوُّرٍ مُعيَّن يُؤمِن به البعض، فيتَّهِمَهُ البعض بأنَّهُ طعَنَ بالذَّات الإلهية والنبي (ص)! 
الملاحظة السادسة: يُصرِّح القانون بأنَّهُ “يُعاقب بالإعدام أو الحبس المؤبَّد كل من طعن علناً….عن طريق الاستهزاء أو السخرية أو التجريح”. وثمَّة مشكلة في كلمة “التَّجريح” بالتَّحديد، لأنَّها تنطبقُ على عددٍ معتدّ بهِ من الرِّوايات. 
فبعض كُتُب الأحاديث أو التفسير أو أسباب النزول أو الكُتُب الكلامية (كما سترى في المرفقات في الباب الرابع) زاخرة بأحاديثٍ تنطوي على طعْنٍ وتجريحٍ في الذَّات الإلهية، والنبي (ص)، وبعض أزواج النبي. وعلى ضوء هذا القانون – بصياغتِهِ الحالية – يقتضي الأمر منْع طباعة وبيع ونشْر كلّ تلك الكتب، التي يُعتبرُ بعضُها منَ الصِّحاح عند أهل السُّنة. بل تحكم باعدام الناشر مع إلتفاته لهذا التجريح المدون في الكتاب.
فقصَّة الغرانيق التي تتَّهم النبي (ص) بأنَّه أضافَ آيةً إلى القرآن لاستمالةِ كفَّار قريش، ولو قيل بأن الشيطان تحدث على لسانه فهو طعن بالذَّات الإلهية التي تخلَّت عن تسديدِ النبي (ص) وتثبيتِهِ بالقولِ الثَّابِت في تلك اللَّحظة؟ أليس طعْناً بالنبي (ص) الذي لا ينطِقُ عن الهوي إنْ هو إلا وحي يوحى؟(7) والحديثُ المنْسوب لأم المؤمنين عائشة والتي تتَّهم فيه الله سبحانه بأنَّهُ يُسارع في هوى النبي (ع)، ألا يُعتبرُ طعْناً بالذَّات الإلهية وبأم المؤمنين عائشة؟ والأحاديث المنْسوبة لأم المؤمنين عائشة والتي تتحدَّث فيها عن بعض تفاصيل علاقتها الزَّوجيَّة مع النبي (ص)، ألا تُعتبرُ طعْناً بالنبي (ص) وبأم المؤمنين عائشة؟ والحديث الذي يتَّهم أم المؤمنين عائشة بأنَّها كانت تُعلِّم الرِّجال كيفية الاغتسال، ألا يُعتبرُ طعْناً بها؟ خصوصاً أنَّ الكُتُب التي ذكرَت مثل هذه الرِّوايات، لم تذْكُرها لكي تنقدْها، بل ذكرتَها لإيمانِ مُؤلِّفيها بأنَّها صادرة فعلاً من رُواتِها! 
والحقيقة أنَّ الكثير من الأمور المنسوبة للنبي (ص)، والتي تمسُّ شخصَهُ الكريم، لا نُؤمن بها، ونَعتبِرُها طعْناً وتجريحاً به،(8) فهل يستطيع مؤيدو هذا القانون – بصياغتِهِ الحالية – الالتزام بما يدعو إليه، فيمنعوا طباعة وبيع ونشْر هذه الكُتُب؟ 
الملاحظة السَّابعة: مع الالتفاتِ إلى الاختلاف الشَّديد بين المسلمين فيما يُوجِب الطعْن والكُفْر، لا يمكن الاستعجال في إجراء عقوبة من هذا القبيل، فإنها تدخل في قاعدة الحدود تدرأ بالشبهات.
فقد ذكر الإمام أبو حامد الغزالي في كتابِهِ الهام “فيصل التَّفرقة بين الإسلام والزَّندقة” أنَّ: “الحنْبلي يُكفِّر الأشعري، زاعماً أنَّهُ كذَّبَ الرَّسول في إثباتِ الفوق للهِ تعالى، وفي الاستواءِ على العرش. والأشعري يُكفِّرُهُ زاعماً أنَّهُ مُشبِّهٌ وكذَّبَ الرَّسولَ في أنَّهُ (ليسَ كمثلهِ شيء). والأشعري يُكفِّر المعتزلي زاعماً أنَّهُ كذَّبَ الرَّسولَ في جوازِ رُؤية الله تعالى، وفي إثباتِ العِلْم والقُدْرة والصِّفات له. والمعتزلي يُكفِّر الأشعري، زاعماً أنَّ إثباتَ الصِّفات تكثيرٌ للقُدَماء، وتكذيبٌ للرَّسولِ في التَّوحيد”. 
فما هو المعيار الذي يُقدِّمه القانون للطَّعْنِ وتكذيب القرآن والنبي (ص)؟ هل سيعتمد على منظور أهل الحديث والحنابلة؟ أو منظور الأشاعرة؟ أو منظور المعتزلة؟ أو منظور الشِّيعة؟  
المحور الثاني: ملاحظات حول ملابسات وظروف القانون (نقد خارجي)
في هذا المحور نُسجِّل ملاحظاتنا على الملابساتِ والظُّروف المقترنة برغبة النُّواب في إقرار هذا القانون، وندرُس فاعليَّة القانون وقدرته على تحقيقِ أغراضه، والضَّرر الذي قدْ ينْجُم عن إقرارهِ. 
الملاحظة الأولى: من الواضح أنَّا في هذا الزَّمان دخلنا في عصْرٍ جديد، تقاربت فيه المسافات، وتداخلت فيه الأفكار، وانهارت فيه الحواجز بين البلدان، وأصبح العالَم بمثابة قرية صغيرة. وكان للتطوُّر التكنولوجي أثر كبير في تسريع هذا الأمر. ومع ضعْف البُنْية الفكرية للمسلمين، وقَعَ قسْمٌ معتدٌّ بهِ من شبابنا ضحيةَ الشُّبهات الفكرية الغربية، ولم يجدوا في كثير من الأحيان إجابات مقنعة على تلك الشُّبهات. 
هؤلاء لا يمكن الاستعجال بوصمِهِم بالارتداد، وأيُّ خطأ في صياغة القانون على المستوى النَّظري، أو اشتباه في تطبيقهِ على المستوى العملي، سينعكس على الأرجح سلباً على صورةِ الإسلام في أذهانهم وفي العالَمِ، وقدْ يصُدُّ كثير من الناس عن سبيل الله، ولن يكونَ فعالاً. خصوصاً أنَّ الشابَّ قد يستقر خارج البلد، للدراسة أو غير ذلك، ويقتني هاتفاً ذكياً، ويفتح حساب بتويتر، ويكتُب ما يشاء، وينتشر ذلك بين الناس دون أنْ تتمكَّن الجهات الأمنيَّة من تحديدِ مكانه أو هويَّته، ولن تتعاون الدُّول الغربية في ذلك لأنَّها تعتبر هذا السُّلوك جزءاً من حُرِّية التَّعبير. 
 
الملاحظة الثانية: من يدْرُس وضع المنطقة من الناحية الاجتماعية، يرى بوضوح أنَّها تعيش غلياناً طائفياً خطيراً، ليس بين السُّنة والشِّيعة فقط، بل حتى داخل المذهب الواحد. خصوصاً بعد سقوط النِّظام البعثي سنة 2003. وازداد الأمرُ تعقيداً مع انطلاق ما يسمى بـ “الرَّبيع العربي”، والمفارقة في موقف الكثيرين من الأحداث في البحرين وسوريا. والمنافسة السِّياسية الحادَّة الواقعة حالياً في مصر وبلدان أخرى بين الأخوان المسلمين والسَّلفيين. 
ما يخشاهُ الكثيرون هو أنْ يكون إقرار هذا القانون قد تأثَّرَ – من ناحية – بتلك الظروف، وأنْ يزيد تطبيقه – من ناحيةٍ ثانية – في تأجيج حالة الاحتقان الطائفي. وقد يكتوي بنارهِ مستقبلاً بعض من تحمَّسَ له. 
الملاحظة الثالثة: بلدُنا بالتَّحديد يعيشُ احتقاناً طائفياً خطيراً، وقد وقعَت مُؤخَّراً سلسلة من الأحداث، تعكس حالة الاحتقان، وجرَت محاولات للتأثير على السُّلطة القضائية والضَّغْط عليها، وهذا القرار يأتي في هذه الأجواء من الاحتقان. في حين يُفترض أنْ يُصاغ أي قانون في أجواءٍ هادئة، وليس كردَّة فعل. 
ما يخشاهُ الكثيرون هو أنْ يُؤدِّي إقرار هذا القانون إلى عواقب عكسيَّة تماماً. فقد تنطلق موجة واسعة تتحدَّى هذا القانون، أو تحاول استكشاف ثغراته، لقناعتِهِم بأنَّ دوافِعَ إقراره لا تخلو من نفسٍ طائفي، وأنَّهُ يستهدفهم. لذا من الضَّروري اتِّخاذ إجراءات رادعة ذكيَّة، تؤدي الغرض، دون أنْ تنتهي إلى مضاعفات من هذا القبيل. 
الملاحظة الرابعة: عند استقراء سيرة النبي (ص) نجد أنَّ ثمَّة ظروف معينة كانت تضطرُّهُ (ص) إلى تجميدِ هذه العقوبة في حالةٍ معيَّنة،(9) واختيار عقوبة أخرى في حالةٍ ثانية،(10) وتجاهُل الأمر والإغضاء في حالةٍ ثالثة.(11) وكذا الأمر عند استقراء سيرة الخلفاء من بعده.(12) وهذا كلُّه يُؤكِّد أنَّ للظُّروف والملابسات الخاصَّة دوراً في التَّعاطي مع هذه العقوبة. 
الملاحظة الخامسة: عند استقراء تاريخ العُلَماء، نجد أنَّ عقوبة الردَّة طالما أُسيءَ استخدامُها سياسياً لتصفية الخُصُوم. فقد اتُّهِمَ عددٌ كبيرٌ من أعلام الأمة بهذه التُّهمة. منهم على سبيل المثال – لا الحصْر – أحمد بن حنبل،(13) أحمد بن نصْر الخزاعي،(14) أبو حيَّان التوحيدي،(15) أبو الفتوح الشهرستاني مُؤلِّف “المِلَل والنِّحَل”.(16) والجدير بنا أنْ لا نُكرِّر أخطاء الماضين، ونتَّعظ من دروس التاريخ، ولا نُعطي أيَّ طرف سلاحاً قانونياً يُصفِّي من خلالهِ حسابَهُ مع الآخرين. 
الملاحظة السادسة: يُقيِّد فقهاء المذهب الجعفري تنفيذ العقوبة بعدَم الضَّرر.(17) وعلى ضوء النَّقاط السَّابقة، ومع ملاحظة هذا القيد، نطرح السُّؤال التالي: إذا أُقِرَّ هذا القانون، وتمَّ تنفيذُهُ، فهل نأمن من الضَّرر الذي قد يلْحَق بالبلد اجتماعياً؟ بسبب امكان اتهام كل طرف بأنه يسيء للنبي (ص)
على ضوءِ ما تقدَّم، نجد أن القانون المقترح فيه مخالفه صريح لأحكام الشرع الإسلامي الحنيف … والله أعلم