أين الخلل؟ ومن يقرع الجرس؟
د. بدر الديحاني
من يتمعن بشكل موضوعي في الوضع العام يدرك أن هناك حالة “توهان” سياسي تعانيها العناصر والقوى السياسية جميعها، مع استثناءات قليلة جداً.
حالة التيه السياسي وفقدان الرؤية جعلت الغالبية العظمى من القوى والعناصر السياسية بدلاً من تشخيص الوضع السياسي بشكل صحيح وتقديم رؤية متكاملة أو بديل عملي للخروج من الأزمة السياسية، تشغل نفسها دائماً وتشغل الناس معها بالحديث عن تفاصيل كثيرة ومملة تصف بها فساد المنظومة السياسية، أي أنهم يضيعون وقت الناس في وصف مظاهر الفساد وأعراضه وبعض نتائجه وآثاره، وهي بالمناسبة كثيرة ومتنوعة ثم يلقون باللائمة إما على الحكومة وهي لا شك ملامة وإما على غيرها من دون أن يحمّلوا أنفسهم جزءاً من المسؤولية.
من هنا، فإن بعض القوى والعناصر السياسية يكتفي بتحميل ما يسمى كتلة “الأغلبية” مسؤولية ما يجري، أما البعض الآخر فيشير بأصبع السبابة إلى ما يسمى “الأقلية” على اعتبار أنها هي “المعرقل الأول للإصلاح السياسي”، أو أنهما يلومان الحكومة التي ترد من ناحيتها بتحميل المسؤولية، كل المسؤولية، للمجلس ككل على أساس أنه هو المتهم، كما تردد دائماً، بعرقلة “خططها التنموية” التي لا وجود لها أصلاً!
أو على العكس، فالبعض يكيل المديح بشكل مبالغ فيه لما يسمى “الأغلبية” ويعقد عليها آمالاً كبيرة غير واقعية للبدء سريعاً في مشروع إصلاح سياسي وديمقراطي حقيقي من دون أن يعرف أن “الأغلبية” ليست أكثر من كونها عدداً من النواب غير المتجانسين فكرياً وسياسياً، وكل ما تستطيع عمله، في حال توافق جميع أعضائها، هو الحيلولة دون استشراء بعض الحالات الصارخة للفساد المالي والإداري وليس السياسي الذي يعتبر أساس كل المشاكل.
في المقابل هناك من يمتدح ما يسمى “الأقلية” ويعتبرها السد المنيع أمام من يريد الانقضاض على النظام الديمقراطي، رغم أن عدداً لا بأس به من أعضائها كان يتمايل طرباً عندما ضُرب المواطنون والنواب وانتهك الدستور!
أما الحكومة فتتصرف وكأن ما يجري في الساحة السياسية لا يعنيها من قريب أو بعيد، فلا مبادرة ولا مشروع سياسياً جريئاً ينتشلنا من هذا الوضع السياسي غير الصحي.
بكلمات أخرى، فلا أحدَ سواء مما يسمى مجازاً معارضة أو من الحكومة أو من القوى السياسية، يحمل مشروعاً وطنياً متكاملاً للإصلاح السياسي الشامل والجذري.
المؤسف أكثر أن غالبية عناصر وقوى التغيير والإصلاح وبالذات القوى الشبابية قد دخلت طرفاً بدرجة أو بأخرى في معمعة التفاصيل السطحية والوصف المكرور والمملل لمظاهر الفساد، فابتعدت وأبعدت الناس معها عن التركيز على عملية الإصلاح السياسي والديمقراطي الشامل الذي يكون جزءاً من مشروع دولة دستورية ديمقراطية باعتباره هو، ولا شيء غيره، الذي سينهي فساد المنظومة السياسية برمتها حيث إن ما نراه ليس سوى بعض مظاهر هذا الفساد السياسي التي لن تنتهي بل ستزداد عاماً بعد آخر.
لهذا فإننا ندور في ما يشبه الحلقة المفرغة فنكرر أخطاءنا ونعيد إنتاج مشاكلنا السياسية والعامة، فهل من مخرج؟ ومن يقرع الجرس؟!
أضف تعليق