هوامش على التعديلات المقترحة للنائب فيصل اليحيى
هل تسير الكويت نحو الملكية الدستورية؟
عبدالله النيباري
طرح النائب فيصل اليحيى أنه بصدد تقديم اقتراح لتعديل بعض مواد الدستور. وتستهدف التعديلات المقترحة دفع عجلة تطوير النظام السياسي الكويتي، للاقتراب من النموذج البرلماني، وربما الى الملكية الدستورية.
كما تستهدف الغاء عضوية الوزراء غير المنتخبين من مجلس الأمة، بعدم الجواز لهم المشاركة في التصويت على قرارات مجلس الأمة، وزيادة أعضاء المجلس الى 75 عضواً، وضرورة حصول الوزارة بعد تشكيلها على ثقة المجلس، بعد تقديم برنامجها، وحق مجلس الأمة في طرح الثقة برئيس مجلس الوزراء، والغاء القيد على عدد الوزراء، ووضع قيد زمني على تشكيل الوزارة.
والنائب اليحيى في طرحه هذا متسق مع نفسه، ويترجم قناعاته التي تكوَّنت لديه بخطوات اجرائية، ممارسا حقه الدستوري كعضو في مجلس الأمة.
قديمة
وقناعات النائب اليحيى ليست مفاجأة، بل هي قديمة، فقد تناول هذه التعديلات في مقالين سبق أن كتبهما في جريدة الجريدة، بعنوان «تعيين الرئيس» (الجريدة 2005/5/9)، والثاني بعنوان «كيف نقرأ خطاب حل مجلس الأمة؟»، تناول فيه ضوابط الحكم الرشيد (الجريدة 2009/9/30).
وفي كلا المقالين تطرَّق لمسألة تعيين رئيس مجلس الوزراء، وحق الأمير رئيس الدولة في ذلك، مشيرا الى أن هذا الحق مقيد بمراعاة الجوانب الشكلية والموضوعية الواردة في المادتين 56 و60 من الدستور، «وأن حق الأمير في تعيين رئيس الوزراء لا يحجب حق الأمة عبر ممثلها في هذا الاختيار، أو ألا يكون لها دور فيه، سواء بالدفع بأحد الأشخاص لتولي هذا المنصب، أو بالاعتراض على آخر، بل ان هذا الأمر واجب يقع عليها عبء القيام به، ولا يمكن اعتبار قيام الأمة بواجبها تدخلاً أو افتئاتا على حق الأمير».
عقبات
على كل حال، طريق اقرار التعديلات المقترحة وغيرها وعر وأمامه عقبات كثيرة، فهو يتطلب اجرائيا ودستوريا موافقة ثلثي أعضاء المجلس، والأهم موافقة سمو الأمير، رئيس الدولة.
ولكن بعد خمسين عاماً من اقرار الدستور والعمل به لا بد من طرح هذه المسائل، لمناقشتها في أوساط الرأي العام، ومن المتخصصين والناشطين ومؤسسات المجتمع المدني، واذا كانت مقبولة من حيث المبدأ، فما الشروط التي ينبغي توافرها؟ وكيف نوفرها للوصول الى تعديلات تنقلنا أو تدفعنا لتطبيق ما جاء في كلمة المغفور له الشيخ عبدالله السالم «رغبة في استكمال أسباب الحكم الديموقراطي لوطننا العزيز.. وسعيا نحو مستقبل أفضل، ينعم فيه الوطن بمزيد من الرفاهية والمكانة الدولية، ويفيء على المواطنين مزيداً كذلك من الحرية السياسية، والمساواة، والعدالة الاجتماعية».
هذه رغبة عبدالله السالم ورغبة شركائه واضعي الدستور عام 1962، وقد مضى على ذلك 50 عاماً، وما زلنا بعيدين عن تحقيق هذه الرغبة التي تعكس آمال الأمة، بل ربما تراجع وضعنا وازداد سوءا عما كان عليه قبل 50 سنة.
حوار
أي قارئ للدستور والمناقشات التي جرت في لجنة وضع الدستور وفي المجلس التأسيسي لاحقاً لا بد أن يستشف، بل ويستنتج أن ما كان يدور في عقول وأفئدة هؤلاء الرجال هو الوصول الى استكمال أسباب وشروط النظام الديموقراطي في غضون عشر سنوات، أو ربما بضعة عقود، ولا أخال أنهم تصوروا أن نبقى خمسين عاماً نخطو خطوة نحو استكمال متطلبات النظام الديموقراطي ونتراجع خطوات.
والمطلوب اليوم الدخول في حوار واسع ومعمَّق تشارك فيه كل الفئات المهتمة باصلاح الحياة السياسية في الكويت يدور حول كيف نستكمل أسباب الحكم الديموقراطي، والحكم الديموقراطي له تعريف واحد فقط هو حكم الشعب بواسطة الشعب، طبعاً عبر انتخابات نزيهة مبرَّأة من أي انحياز أسري أو طائفي أو قبلي أو أساليب ووسائل وأدوات مشبوهة، انتخابات تشارك فيها جماعات منظمة تطرح برامج يتم اختيار المرشحين على أساسها، ويمارسها مواطنون لديهم من الوعي والادراك والاستنارة ما يدفعهم لاختيار الأفضل والأصلح من ذوي العقول النيرة والأيدي النظيفة والعزم القوي لخدمة المصلحة العامة، والتصدي في الوقت نفسه لكل ما يضر بمصلحة الوطن والمواطنين، والجرأة والشجاعة على مكافحة آفة الفساد لاجتثاثه من جذوره.
مبادرة
لا أحد يجزم كم سيُستغرق من الوقت وكم يتطلب من جهد، وربما تضحيات، لتحقيق ما تستهدفه اقتراحات تعديل الدستور، وما يلحقها ويرتبط بها من تعديلات للدستور أو القوانين المنظمة لحياة المجتمع!
ولكن لا يجوز أن نتهيب من المحاولة، فلنفتح أذهاننا وقلوبنا لحوار مجدٍ ونقاش مفيد، لعلنا نصل الى نتيجة تدفع عجلة النمو والتطور والتقدم والنهضة لمجتمعنا.
وليقم كل من لديه اقتراح بتقديمه للمناقشة، وليس في ذلك ضير، بل ربما فوائد كثيرة، وللنائب اليحيى الشكر والتقدير باقدامه على المبادرة.
وفي الختام، أود أن أقول إن مبادرة اليحيى لها جذور في مناقشات وضع الدستور، وفي مناقشات القوى السياسية ابان الاحتلال العراقي، وبعد التحرير، وفي البيانات التي طرحتها بعض القوى السياسية في مارس 2011، وهي أيضا – أي المقترحات – موضع تداول ونقاش في لقاءات القوى السياسية حالياً، وشرح ذلك قد يكون موضوعا نتناوله لاحقاً.
مبادرة لها جذور قديمة
أوضح عبدالله النيباري ان مبادرة النائب فيصل اليحيى، بتعديل بعض المواد الدستورية لها جذور قديمة في نقاشات القوى السياسية وبياناتها، التي طرحتها في مارس العام الماضي.
جدل
فتحت هذه الآراء بالاقتراحات جدلاً قد يتسع ويطول، وفي اعتقادي أنه أمر مطلوب. ومن الاعتراضات التي طرحت هو ما اذا كان النص الدستوري في المادة 175 يجيز طرح اقتراحات قد يكون من شأنها تغيير في النظام السياسي الدستوري، الذي هو بمنزلة عقد اجتماعي. والظاهر حتى الآن، وهو أمر مطروح للنقاش، أن نص المادة 175 يجيز أي اقتراحات وفقاً للاجراءات التي رسمها الدستور.
ومن الآراء الأخرى، هو ما اذا كانت الحياة السياسية وصلت الى مرحلة النضج، أي أن مؤسسة الانتخابات ومعايير الانتخاب لدى الناخبين، التي ما زالت تتأثر بغير العوامل السياسية الموضوعية، كالانتماءات القبلية والطائفية والأسرية وتأثير الواسطات، أو ما يسمى الزبائنية، واستخدام الأساليب المحظورة قانونا كتقديم المنافع، بما في ذلك استخدام المال في شراء الأصوات، وهل يمكن الوثوق بنتائج هكذا انتخابات وافرازاتها من أعضاء يغلب عليهم اعادة انتاج أنفسهم بكسب رضا الناخبين، حتى لو كان ضارا بمصالح المجتمع والدولة في المديين القريب والبعيد، وغلبة نزعة التطرُّف، مع ضعف روح المسؤولية التي تتبدى في الاستعجال المفرط في سلق الاقتراحات والقوانين من دون دراسة، مما يطرح التساؤل: هل يمكن الوثوق بهكذا مجلس أن ينتج حكومة تقود البلد نحو النهضة وفيه من يعارض النهضة؟! هذا رأي مطروح، وأعتقد أنه أكثر الآراء اتساعاً.
أضف تعليق