بجسد نحيل تلفه قطعة من القماش الأبيض، وبروح وثابة تكره الاستسلام، ولاتحب الذوبان في مستنقعات الخضوع والخنوع.. انطلق المهاتما غاندي في ثورته السلمية، وخاض حرباً طويلة بيدين عاريتين، بلا أسلحة ولا مدافع رشاشة
ولا قاذفات صواريخ.. كان سلاحه الكلمة، متصدياً لمنطق القوة بقوة المنطق.
في مثل هذا اليوم السادس من مايو انطلقت ثورة المهاتما غاندي السلمية لتحرر الهند من الاستعمار البريطاني الذي جثم على أنفاس الشعب “وآن له أن يرحل ويسلم الوطن إلى أهله”.. وظل الكل يردد مقولته: “يمكننا الانتصار علي خصمنا فقط بالحب وليس بالكراهية، فالكراهية شكل مهذب للعنف وهي تجرح الحاقد ولا تمس المحقود عليه أبدا”.
ولد “موهندس كرمشاند غاندي” الملقب بـ “المهاتما” ( 2أكتوبر 1869 – 30 يناير 1948)، وكان رائداً للساتياغراها وهي مقاومة الاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل، التي تأسست بقوة عقب أهمسا أو اللاعنف الكامل، والتي أدت إلى استقلال الهند وألهمت الكثير من حركات الحقوق المدنية والحرية في جميع أنحاء العالم.
غاندي معروف في جميع أنحاء العالم باسم المهاتما غاندي المهاتما أي “الروح العظيمة”، لقب أطلقه عليه فيلسوف الهند وشاعرها الكبير رابندراناث طاغور، كما أطلق عليه الهنود أنفسهم لقب “بابو” أو “الأب” تقديرا له ولأسلوبه الفريد في المطالبة بحقوقه المدنية المشروعة، تحتفل دول العالم بهذا اليوم كيوم عالمي للا عنف، حتى صار رائدا لما يطلق عليه المقاومة السلبية وهو مقاومة الاستبداد من دون عنف.
الأسلوب اللاعنفي هذا استعمله غاندي في عصيانه المدني ومن أجل الحقوق المدنية للهنود والسود في جنوب أفريقيا. وبعد عودته إلى موطنه الهند استخدم الأسلوب نفسه ونظم احتجاجات عدة مع المزارعين والعمال وجميع الطبقات المسحوقة من المجتمع، ولكن في المقابل كانت السلطات الأمنية في ذلك الوقت تبادل اللاعنف بالعنف، الأمر الذي زاد من مؤيديه ومريديه داخل وخارج الهند وكسب عطفهم وتأييدهم حتى تحقق للهند استقلالها.
بداية حياته:
ولد المهاتما غاندي في بوربندر بولاية غوجارات الهندية من عائلة محافظة لها باع طويل في العمل السياسي، حيث شغل جده ومن بعده والده منصب رئيس وزراء إمارة بوربندر، كما كان للعائلة مشاريعها التجارية المشهورة، وقضى طفولة عادية ثم تزوج وهو في الثالثة عشرة من عمره بحسب التقاليد الهندية المحلية ورزق من زواجه هذا بأربعة أولاد.
الانتماء الفكري:
أسس غاندي ما عرف في عالم السياسية بـ”المقاومة السلمية” أو فلسفة اللاعنف (الساتياغراها)، وهي مجموعة من المبادئ تقوم على أسس دينية وسياسية واقتصادية في آن واحد ملخصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمحتل عن طريق الوعي الكامل والعميق بالخطر المحدق وتكوين قوة قادرة على مواجهة هذا الخطر باللاعنف أولا ثم بالعنف إذا لم يوجد خيار آخر.
إنجازاته في جنوب أفريقيا:
سافر غاندي وعائلته إلى جنوب إفريقيا عام 1893، وسكن ولاية “ناتال” الواقعة على المحيط الهندي، مقيماً في أهم مدنها “دوربان” التي عُرفت بصناعة السكر والتبغ، وكانت جنوب أفريقيا مستعمرة بريطانية كالهند وبها العديد من العمال الهنود الذين قرر غاندي الدفاع عن حقوقهم أمام الشركات البريطانية التي كانوا يعملون فيها، وتعتبر الفترة التي قضاها بجنوب أفريقيا (1893 – 1915) من أهم مراحل تطوره الفكري والسياسي حيث أتاحت له فرصة لتعميق معارفه وثقافاته والاطلاع على ديانات وعقائد مختلفة، واختبر أسلوبا في العمل السياسي أثبت فعاليته ضد الاستعمار البريطاني، وأثرت فيه مشاهد التمييز العنصري التي كان يتبعها البيض ضد الأفارقة أصحاب البلاد الأصليين أو ضد الفئات الملونة الأخرى المقيمة هناك،
وكان من ثمرات جهوده آنذاك:
1- إعادة الثقة إلى أبناء الجالية الهندية المهاجرة وتخليصهم من عقد الخوف والنقص ورفع مستواهم الأخلاقي.
2- إنشاء صحيفة “الرأي الهندي” التي دعا عبرها إلى فلسفة اللاعنف.
3- تأسيس حزب “المؤتمر الهندي للناتال” ليدافع عبره عن حقوق العمال الهنود.
4- محاربة قانون كان يحرم الهنود من حق التصويت.
5- تغيير ما كان يعرف بـ”المرسوم الآسيوي” الذي يفرض على الهنود تسجيل أنفسهم في سجلات خاصة.
6- ثني الحكومة البريطانية عن عزمها تحديد الهجرة الهندية إلى جنوب أفريقيا.
7- مكافحة قانون إلغاء عقود الزواج غير المسيحية.
صيام حتى الموت:
قرر غاندي في عام 1932 البدء بصيام حتى الموت احتجاجا على مشروع قانون يكرس التمييز في الانتخابات ضد المنبوذين الهنود، مما دفع بالزعماء السياسيين والدينيين إلى التفاوض والتوصل إلى “اتفاقية بونا” التي قضت بزيادة عدد النواب “المنبوذين” وإلغاء نظام التمييز الانتخاب
مواقفه من الاحتلال البريطاني:
تميزت مواقف غاندي من الاحتلال البريطاني لشبه القارة الهندية في عمومها بالصلابة المبدئية التي لا تلغي أحيانا المرونة التكتيكية، وتسبب تنقله بين المواقف القومية المتصلبة والتسويات المرحلية المهادنة حرجا مع خصومه ومؤيديه وصل أحيانا إلى حد التخوين والطعن في مصداقية نضاله الوطني من قبل المعارضين لأسلوبه، فعلى سبيل المثال تعاون غاندي مع بريطانيا في الحرب العالمية الأولى ضد دول المحور، وشارك عام 1918 بناء على طلب من الحاكم البريطاني في الهند بمؤتمر دلهي الحربي، ثم انتقل للمعارضة المباشرة للسياسة البريطانية بين عامي 1918 و1922 وطالب خلال تلك الفترة بالاستقلال التام للهند. وفي عام 1922 قاد حركة عصيان مدني صعدت من الغضب الشعبي الذي وصل في بعض الأحيان إلى صدام بين الجماهير وقوات الأمن والشرطة البريطانية مما دفعه إلى إيقاف هذه الحركة، ورغم ذلك حكمت عليه السلطات البريطانية بالسجن ست سنوات ثم عادت وأفرجت عنه في عام 1924.
مسيرة الملح:
تحدى غاندي القوانين البريطانية التي كانت تحصر استخراج الملح بالسلطات البريطانية مما أوقع هذه السلطات في مأزق، وقاد مسيرة شعبية توجه بها إلى البحر لاستخراج الملح من هناك، وفي عام 1931 أنهى هذا العصيان بعد توصل الطرفين إلى حل وسط ووقعت معاهدة غاندي – إيروين.
وفاته:
لم ترق دعوات غاندي للأغلبية الهندوسية باحترام حقوق الأقلية المسلمة، واعتبرتها بعض الفئات الهندوسية المتعصبة خيانة عظمى فقررت التخلص منه، وبالفعل في 30 يناير 1948 أطلق أحد الهندوس المتعصبين ويدعى جوتسى ثلاث رصاصات قاتلة سقط على أثرها المهاتما غاندي صريعا عن عمر يناهز 78 عاما.
تعرض غاندي في حياته لستة محاولات لاغتياله، وقد لقي مصرعه في المحاولة السادسة. و قال غاندى قبل وفاته جملته الشهيره (سيتجاهلونك ثم يحاربونك ثم يحاولون قتلك ثم يفاوضونك ثم يترجعون وفي النهايه ستنتصر).
مواقف تظهر الإنسان:
يقول بأن إمرأة جاءت لغاندي من مسيرة يومين وكانت قد جلبت معها طفلها وقالت لغاندي أنني أحضرت طفلي الذي يحبك كي تنصحه بأن لا يأكل السكر فإن الأطباء حذروه من أكل السكر ولكنه لا يقتنع بكلامهم ولا كلامي.
فقال غاندي : إذهبي وتعالي بعد إسبوعين .
قالت المرأة وهي غاضبه: أنا أتيتك مسافره يومين بالقطار والان تعيدني بقولك المقابله إنتهت تعالي بعد أسبوعين وأجلبي ولدك معك.
فقال :نعم
فذهبت وعادت بالوقت المحدد وقالت له أنا التي أتيتك منذ أسبوعين
فقال : أتيتيني بشأن ولدك والسكر
فقالت نعم وهي مستغربه كيف إستطاع أن يتذكرها مع أنه لم يرها سوى ثوان ولم يعرها أي إنتباه
فقال للولد يا ولد أتحبني فقال الولد نعم قال أنا لا أأكل السكر فإن كنت تحبني فلا تأكله.
فقالت الأم ولماذا أرجعتني بالمرة الماضيه ؟
قال حكيم الهند : في المره الماضيه كنت آكل السكر ولحبي لولدك منعت نفسي من أكل السكر حتى أستطيع أن أنصحه بما لا يعيبني.
ويحكى أيضا أن غاندي كان يجري للحاق بقطار وقد بدأ القطار بالسير وعند صعوده
القطار سقطت إحدى فردتي حذائه .. فما كان منه إلا أن أسرع بخلع الفردة الثانية ورماها بجوار الفردة الأولى على سكة القطار !
فتعجب أصدقاؤه وسألوه : ” لماذا رميت فردة الحذاء الأخرى؟ ”
فقال غاندي بكل حكمة : ” أحببت للذي يجد الحذاء أن يجد فردتين فيستطيع الانتفاع بهما، فلو وجد فردة واحدة فلن تفيده”.
أضف تعليق