أقلامهم

صفاء خلف: الفرد في ظل بطريركية «القبيلة/الدولة/الدين»

احتراق «الفردانية» العربية! 

صفاء خلف
أنا متعدد..إذن أنا معزول، لا يمكن الخروج من الفهم النمطي لبناء المجتمع خارج إطار»الجماعة»، فعربياً، الفرد هو أداة «معاقة» و«مهانة» في ظل بطريركية «القبيلة/الدولة/الدين»، هو مغيب تماماً عن صناعة قدره، أوصناعة خطابه الفردي، أوحتى صياغة حريته الشخصية، مقابل هيمنة «الجماعة/ العقل الجمعي» على خياراته، وتسخيرها لجهة «المصلحة الجماعية» التي تتحول بالأساس إلى «مؤسسة فردانية مريضة» تنتج ثلاثة أنماط معتلة «فرد عاجز/ فرد محكوم/ فرد متحكم».
لم تنتج الثقافة العربية خطاباً معرفياً لمصحلة «الفرد»، كل ما نتجته هو لمصلحة «الأمة/ الجماعة»، التي ذوبت الشعور بالحرية إزاء الاعتقال الرمزي داخل «حظيرة» يقودها «النص المقدس» أويقودها «النص الأيديولوجي»، لذا غُيبت تماماً، وألغت التفكير الفردي، وبالتالي أحرقت المبادرة الفردية في صنع المجتمع.
الفرد العربي، بدا عارياً تماماً من أي وعي تجاه ترسيخ وجوده في «الأمة/ الدولة»، نتيجة سياسة ممنهجة في ردعه من التحرك خارج الإطار الجمعي على اعتبار أن»الخروج من الجماعة هوخروج على إرادة ولي الأمر»، ولأن الاستحقاقات هي «هبات» تُمنح على أساس الولاء، بات الفرد محاصراً بتكفيره «اجتماعيا» نتيجة العوق العقلي الذي طورته قرون من التدجين، فضلا عن كونه لا يملك أدوات «التفكير» في ظل ترسيخ قناعات مظللة في أن الفرد لا يمكن له تحقيق حياته خارج «الوعي الجمعي»، لجهة أن وعيه يشتغل في سياق مغلق.
اشتغلت السلطات منذ أن تكونت، على تحجيم الفرد، وقتله، ومسخه إلى «أراكوز» راقص لها، وحطب لصراعاتها، ووقود لمنظومتها، لذا تحول من «مواطن» إلى «مخصي»، لا يمارس فردانيته الا مع نفسه، في حدود من الكبت والسرية، ففكرة استقلالية الفرد، فكرة مرعبة للمؤسسة أياً كانت!!، فالفردانية تعني التحرر من الشمولية، والهوية الضاغطة، نحو الهوية المتعددة، الفرد بداخله متعدد، هو حصيلة تمازج ثقافات وإيمانات، والتعبير عنها، يعني أن السلطة مهددة بالتفكك.
قلت: إن «الجند… خراف المدينة، كلاب رجال القصر، فتيان بنات القرى. الجند هم العامة، حين تفرد المدينة جسدها نحو القصر». خوف السلطات حين يتمتع الفرد، بفردانيته،أن يضيقوا على القصر، فتنهار سلطتهم المتوارثة، وهي صورة مصر وتونس أيام ما كانت الثورات «ربيعاً»، وقبل أن تتحول إلى «خريف كئيب»، في تلك اللحظة المسروقة من زمن الغفلة العربية، شعرنا بفردانيتنا، بتحقق الأساس الأول للحرية، لكن نكبة حقيقية أصابت تلك الفردانية، حين خرجت «الجماعة» من أعشاش التاريخ، لتغيّبنا مجدداً.
***
الفردانية أوالفردية (Individualism) هي التوجه الأخلاقي أوالفلسفة السياسية، أووجهة النظر الاجتماعية التي تشدد على فكرة الاستقلالية واعتماد الفرد على نفسه في اتخاذ قرارته. ويدعو الفردانيون إلى تنفيذ الفرد لأهدافه ورغباته حتى وإن عارضت المؤثرات الخارجية على اختياره الشخصي.

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.