«مع حمد قنبلة»
جاسم بودي
مع التكاثر السرطاني لظواهر التصنيف الاجتماعي والقبائلي والطائفي وتحديدا من قبل من يفترض بهم أن يكونوا حراس الوحدة الوطنية، ومع العجز المستمر من قبل كثيرين عن مجاراة الصوت العالي أو توقيف عجلة انهيار منظومات القيم والتقاليد والمجتمع المدني، ومع استمرار سياسة الصفقات بين وزراء ونواب من اجل المناصب والمراكز والنفوذ على حساب القانون والدستور والقواسم الجامعة بين الكويتيين…
ومع ومع ومع، ارتأينا أن تشكل لجنة من «فرسان الكويت الجدد» وظيفتها إنجاز «الموت السريع» للوحدة والمشاركة والتوافق بدل عملية الموت البطيء التدريجية التي تعمل على قضم المكتسبات يوما بعد يوم.
يسمونه في علم النفس «العلاج بالصدمة»، أي ان وقع الصدمة المدوي يجبر المتلقي على تغيير دفة التوجه بعدما استسلم للريح الصفراء. يريدونها طائفية مذهبية قبلية؟ فلتكن إذاً علنية وسريعة بدل الشحن وغسل العقول وإعداد الشباب ليكونوا مشروع تقاتل وهدم لا مشروع تعايش وبناء، ونقترح هنا على لجنة «الفرسان الجدد» أن تبدأ مهمتها بتعديل مناهج الكويت التربوية كي تكون الفتنة في الصغر فعلا كالنقش في الحجر.
بادئ ذي بدء لا بد أن تكون المناهج متعددة تعدد المدارس والمناطق، فلا كتاب واحدا للتربية أو التاريخ أو الجغرافيا أو الإسلام أو حتى العلوم… فهذا يتنافى تماما مع مخطط «الفرسان الجدد» لبناء مستقبل أسود يستحضرون معه حروب الأموات تمهيدا لحروب الأحياء. لكل مدرسة كتابها ولكل أستاذ أسلوبه.
مع «التطوير» الجديد سيختفي «هذا أحمد» و«هذه عبير» لمصلحة «هذا سني» و«هذه شيعية» و«هذا حضري» و«هذه بدوية». لن يعود «مع حمد قلم» بل «مع حمد قنبلة» أو بندقية. ستختفي مصطلحات مثل «رس م» او «ز ر ع» أو «ح ص د» لمصلحة «ض رب» او «ق ت ل» أو «ح ر ق»، وإذا كان الأساتذة مجدين ومجتهدين فيمكن أن يغوصوا في التصنيفات السكانية والتاريخية والجغرافية أكثر فيقولون «هذا حضري سني من أصل كذا لكن فرع عائلتهم الآخر من أصل كذا» أو «هذا بدوي من فرع كذا من فخذ كذا» أو «هذا حضري شيعي حساوي أو عجمي أو بحراني وهو من أصل كذا وابن عمه من أصل كذا»… طبعا فهذه الامور أساسية لبناء الجدار العنصري العازل الذي لم تستطع دول كاسرائيل أو جنوب افريقيا سابقا بناءه إلا بعد عقود على قيامها.
في الستينات كانت الكويت منارة فكرية وثقافية وسياسية شعرت بأن ما عندها يضيق عليها ويفيض على الآخرين فأرادت تصدير بعض إشعاعات ذلك، لذلك كانت الشعارات ثابتة على الكتب والدفاتر والكراريس «الكويت بلاد العرب». اليوم ومع التطوير المنشود يجب ان تصبح «الكويت بلاد المناطق الداخلية والخارجية» و«داخل السور وخارج السور» وصولا إلى «الكويت بلاد الفريج والسكة».
كنا في المدرسة ننشد «بلاد العرب أوطاني وكل العرب إخواني ودين الله لي دين بانجيل وقرآن»، وبالتطوير الجديد المقترح يجب أولا أن نعتذر عن ذلك، وأن يتغير النشيد إلى أن الوطن هو الفكرة التي يؤمن بها الشيخ الفلاني أو العالم الفلاني أو أمير القبيلة الفلاني، فإذا كانت الطائفة أولا فهي الوطن، وإذا كانت القبيلة أولا فهي الوطن، وإذا كان المذهب أولا فهو الوطن، واذا كان حتى الاجتهاد التفصيلي داخل مذهب ما أولا فهو الوطن… ندافع عنه ونفجر أنفسنا والآخرين من أجله. علينا ان نعلّم أطفالنا ان يلغوا عقولهم ويرسموا حدوداً لوطنهم حسب المناهج الجديدة كي لا يبذل «الفرسان الجدد» جهداً أكبر في عمليات الهدم.
طبعا، لا لزوم للتذكير بأن المناهج الدينية كلها يجب أن تنسى قصص الأنبياء وحكمة الله العلي القدير في اختيارهم لصفات التوحيد والجمع والخير والأخلاق والصبر والمحبة والتسامح والسلام وقبول الآخر والتبشير بالموعظة الحسنة… وان يتم التركيز على كل المحطات الخلافية في التاريخ الإسلامي من مقتل عثمان رضي الله عنه إلى مقتل الحسين عليه السلام وما بينهما من رفع مصاحف وتحكيم وموقعة الجمل، وما بعدهما من تطورات الخلافة والخلافات المتعاقبة… فبهذه المناهج تضطرب القلوب وتسودّ، وتشحن النفوس والعقول، ويدخل الجيل الكويتي الجديد موسوعة «غينيس» لا بأي تقدم علمي بل باختراعات جديدة من ضروب الفتنة والحرب والتقاتل والانقسام. يجب أن تدرس المناهج الجديدة أطفالنا بأن المشرك بالله ليس هو الكافر بل ابن المذهب الفلاني أو الطائفة الفلانية هو الكافر، وان العدو ليس الإسرائيلي المغتصب للأرض والمقدسات او الغازي لترابنا بل هو الذي يعيش معنا ويخالفنا الرأي والاجتهاد.
هل نكمل في تعديل المناهج والعلاج بالصدمة؟ وهل نبالغ في القلق؟
أمة ينشغل فرسانها اليوم بجواز أو عدم جواز قراءة الفاتحة في المقابر أكثر من انشغالهم ببناء جامعة هو الصدمة بعينها… وقد نتفاجأ غدا بما هو اكثر من تعديل للمناهج.
لا، لسنا مبالغين.
أضف تعليق