مع التعديل … ضد التوقيت
إبراهيم أديب العوضي
محاولات عديدة تلك التي بذلت من أجل إجراء تعديلات دستورية منذ اليوم الاول من مسيرة الحياة الديموقراطية حتى يومنا هذا، ولعل آخرها ما تبناه النائب الشاب فيصل اليحيى من خلال اقتراح إلغاء عضوية الوزراء وزيادة عدد النواب وعدم جواز التصويت للوزراء وضرورة حصول الحكومة على ثقة الغالبية وغيرها من المقترحات التي تشكل في مضمونها الانتقال من النظام الخليط بين البرلماني والرئاسي والذي تبناه المجلس التأسيسي بعد مناقشات حادة بهذا الخصوص إلى النظام البرلماني البحت من خلال إعطاء صلاحيات أوسع للمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار السياسي.
ولعلنا نتفق جميعا على أن دستور الدولة ليس قرآنا لا يمكن أن يمس ولا أمرا مقدسا لا يجوز تعديله، بل ان من ساهم في صياغته متمثلا بأعضاء اللجنة المختصة بإعداد مشروع مسودة الدستور المنبثقة من المجلس التأسيسي وأكبر الخبراء الدستوريين في الوطن العربي والذين شاركوا في تولي الجانب الفني في إعداد الدستور قد ذهبوا إلى ضرورة إعادة النظر في الدستور بعد خمس سنوات من تجربته وبالتالي تعديله في ظل التطورات السياسية وبما يلبي احتياجات المجتمع وفي تحقيق أسباب الديموقراطية بل أنهم شجعوا على ذلك ودفعوا به. أضف إلى ذلك، أن كثيرا من دساتير الدول المتقدمة قد مرت بسلسلة من التعديلات والتغييرات التي تساهم في تطوير النظام الديموقراطي وعليه لا أجد مسببا لتخوين أو التقليل من شأن من يقترح أي تعديل لأي مادة من مواد الدستور أو حتى التشكيك فيه، وخصوصا إذا كانت هذه التعديلات متسقة مع مواد الدستور وخصوصا في ما يتعلق بتعديله وفقا للمواد 174 و 175 و 176.
فمن وجهة نظري الشخصية، فإننا في أمس الحاجة لإجراء بعض التعديلات الدستورية التي تساهم في تحقيق الإصلاحات السياسية الشاملة وتزيد من إمكانية المحاسبة الشعبية للنواب من خلال اتباع نظام انتخاب الهيئات السياسية على أساس برامج إنتخابية معلنة وكذلك توسيع قاعدة الأدوات الرقابية وتقديم ضمانات أكبر للحريات والمبادىء المتعلقة بالمساواة. فكم من مجلس ذهب واخر أتى واستمر الوضع على ما هو عليه؟! وكم من حكومة شكلت لترحل بعدها دون اي انجازات تذكر؟! بل أن حالنا أصبح ينتقل وبشكل سريع من سيئ إلى أسوأ دون أن نتمكن من علاج الاختلالات المتراكمة والتي أصبحت واقعا نتعايشه كل يوم.
وقد لاحظنا ان كثيرا من محاولات التعديل قد قوبلت بالرفض على الرغم من أن هناك من تحمس لها ووافق عليها من حيث المبدأ، ويعود ذلك إلى أمور كثيرة من اهمها ان الشارع يعتقد أننا لم نصل حتى الآن إلى مرحلة النضج السياسي التي تمكننا من تعديل الدستور، إضافة إلى أن أي مقترح لتعديل الدستور يقابل من الطرف السياسي النقيض بهجوم حاد وشديد تخوفا من فرض أجندات سياسية لأصحاب توجهات معينة والأمثلة على ذلك كثيرة، ولعل طلب تعديل المادة 79 الأخير هو خير دليل على ذلك. كما أن الانطباع السائد أن أي محاولة لتعديل الدستور هو انقلاب على نظام الحكم وتقويض لأركانه وأخيرا ما يراه الخبراء القانونيون من ان دستور الدولة من الدساتير الجامدة صعبة التعديل كلها قد ساهمت في عدم إحداث اي تعديل على مواد الدستور.
ولعلي متيقن من أن تعديل الدستور سيأتي عاجلا أم آجلا،إلا ان ذلك يتطلب توافر المناخ الملائم لاقتراح تلك التعديلات، وذلك في ظل ظروف سياسية مستقرة ووضع أكثر ملاءمة مما نعيشه اليوم من خلافات سياسية وجو ملبد بآثار الشحن الطائفي والمذهبي وحالة اللااستقرار في العلاقة بين السلطتين وفي ظل غياب واضح للخطط الطموحة التي تلبي الاحتياجات الاساسية للمواطن البسيط. كما أنني أجزم ان التخوف الواضح من إجراء أي تعديل سيتلاشى مع مرور الوقت، فمن منا كان يستسيغ مثلا فكرة إشهار الأحزاب والدائرة الواحدة ويتحدث عن استجواب رئيس الوزراء وتشكيل حكومة شعبية قبل عشر سنوات، وها نحن اليوم نتعايش هذه المواضيع ومستجداتها لحظة بلحظة دون أي تخوف أو شجب أو هلع.
أضف تعليق