المجلس سيد قراراته
أحمد عيسى
الخلاف بين الحكومة والنواب أمس وأمس الأول حول دمج استجوابي وزير المالية بواقعه أبعد من الوزير واستجوابيه، فالمسألة تدور حول من تكون له اليد العليا بقرارات المجلس ومدى أحقية الحكومة بموجب اللائحة رفض القرارات أو تأييدها.
بمتابعة تطورات اليومين الأخيرين المتعلقة بمناقشة استجوابي وزير المالية المقدمين من النواب عبيد الوسمي منفرداً والنواب مسلم البراك وخالد الطاحوس وعبدالرحمن العنجري مجتمعين، أصبح المشهد الأبرز اختلال العلاقة داخل معسكر الأغلبية بين النواب أنفسهم.
فبعد سحب النائب عبيد الوسمي استجوابه ظهر أمس، سينفرد النواب مسلم البراك وخالد الطاحوس وعبدالرحمن العنجري بالوزير الشمالي وهو ما يدفع للتساؤل؛ لماذا على مدى أسبوعين من تقديم الاستجوابين فقط قرر نواب الأغلبية أمس الضغط على الوسمي، ولماذا قرر الأخير الرضوخ للضغط مرة أخرى بعد تراجعه عن استجواب رئيس الوزراء؟ ليظهر وكأنه نائب يستخدم وسائل الإعلام أكثر من استخدامه أدواته البرلمانية.
ربما كانت الحسنة الوحيدة في ما جرى خلال الـ48 ساعة الماضية كشفها حجم التخبط بقرارات الأغلبية، فقد تقدمت أثناء جلسة الثلاثاء بمقترح دمج الاستجوابين، ثم عادت أمس وطلبت فصل الاستجوابين، وبعدها ضغطت على النائب الوسمي لسحب استجوابه، وثلاثتها مواقف متضادة حول قضية استراتيجية واحدة بالنسبة لكتلة الأغلبية التي أعلنت منذ تشكيل الحكومة في فبراير الماضي نيتها استجواب الوزير الشمالي، كما أظهرت رئيس الوزراء بمظهر المدافع عن وزرائه إلى آخر رمق، وهو ما ستبينه جلسة اليوم.
الخلاف بين الحكومة والنواب أمس وأمس الأول حول دمج استجوابي وزير المالية بواقعه أبعد من الوزير واستجوابيه، فالمسألة تدور حول من تكون له اليد العليا بقرارات المجلس ومدى أحقية الحكومة بموجب اللائحة رفض القرارات أو تأييدها، وهو إذا ما أخذناه وفقاً للسياق التاريخي فهو مستمر منذ المناقشات الأولى لوضع الدستور، حول شكل الدولة وما إذا كان برلمانياً أم رئاسياً، ثم ما حدث من خلافات حول اللائحة الجديدة لمجلس الأمة التي حُدثت في 2007.
ويحب التأكيد هنا على أن أساس المشكلة ليس الموقف من الدمج نفسه، بل بمَن أسس هذا الوضع، وأعني فيه النواب الأربعة المستجوبين الذين رفضوا دخول جلسة أمس وأمس الأول متفقين، فتأجج الوضع بين نواب الأغلبية والحكومة، ما انعكس سلباً على الجميع، فقط لأن النواب الأربعة يتنافسون على تسجيل مكاسبهم الانتخابية.
تجاوزات اللائحة الداخلية على مدى اليومين الماضيين بينت رئاسة المجلس وكأنها “مختطفة” من نواب الأغلبية، المتصدرة حالياً للمشهد السياسي، وخطورة ما يحدث أنه تكريس لثقافة المنتصر، حيث يريد نواب الأغلبية تطويع اللائحة الداخلية لمصلحتهم وفقا لمبدأ “المجلس سيد قراراته”، وهذا يمكن أن يفسر حالة التناقض التي نراها بين المجلسين، كما بينت حقيقة منتقدي رئيس المجلس، فمن عاب على الرئيس السابق جاسم الخرافي تمكينه النواب من التصويت على إسقاط استجواب رئيس الوزراء، هم من يشيدون اليوم بتمكين الرئيس (الجديد) أحمد السعدون النواب من التصويت على دمج الاستجوابين، لأن القرارين مخالفان للائحة نصاً وروحاً.
ورغم أن المجلس الحالي تؤجل جلساته لعدم اكتمال نصاب نواب الأغلبية، وتتشكل فيه لجان تحقيق أكثر من عدد اللجان الدائمة والمؤقتة، ويتم التجاوز فيه على صلاحيات الحكومة، وتنتهك اللائحة الداخلية، وفيه أربعة نواب يخلقون أزمة فيما بينهم ولا ينسقون مواقفهم واستجواباتهم، ويرمون بدائهم على الحكومة وينسلون مخلفين أزمة سياسية لمجرد أنهم يتنافسون فيما بينهم على من تسلط عليه الأضواء أكثر من الآخر، فإنه مع ذلك يبقى بحسب نظر الشارع أفضل مجلس بتاريخ الكويت… هكذا لأننا نحب نوابه.
أضف تعليق