جلس مجموعة من الحضر ولم يعلموا أن هناك “بدوي” بينهم، فقال أحدهم: (من غزونا هالبدو، وديرتنا منتكسة ، إشحلاة الديرة قبل، كل واحد يعرف صويحبة، ولا هالحين يونا ناس لا نعرف حجيهم ولا لبسهم) ، فخرج هذا البدوي غاضباً
و في اليوم التالي جلس مع جماعته وقال: (البارح جلست في ديوانية حضر يسبوننا!، والله إن الحضر شايفين نفوسهم علينا، لكن والله إن قالها ربي لأوصل مجلس الامة وعلمهم حجمهم الرخوم، همتكم ياربعي لا تخلوني في الانتخابات)، بعدها بشهور دخل هذا الاخ فرعي القبيلة ونجح في الانتخابات وانتقم باستجواب وزير حضري وطرح الثقة فيه! ،،، قصة مفبركة تحكي واقعا!
الحضر .. البدو
لا يمكن بأي حال من الاحوال إنكار الصراع الحضري البدوي الذي مع الاسف ضرب أطنابه في أنحاء الكويت، هذه الطائفية التي يقتات عليها أطراف عدة تكونت بسبب الثقافات العنصرية التي يؤمن بها بعض الحضر والبدو، بالإضافة الى العدالة الغائبة و الجهل بمفهوم الدولة. الكويت ليست للحضر فقط، كما أنها في نفس الوقت ليست حكراً للبدو وحدهم دون الجميع!
العنصرية الحضرية:
بعض الحضر يعيش بعقلية أن الكويت فريج صغير لا ينتمي له إلا فئتان فقط: الفئة الاولى عوائل محددة كانوا هم أول من وصل للكويت، والفئة الثانية: خدم وبعض العمالة الذين أتوا لطلب الرزق. هذه العقلية هي التي ترفض تواجد القبائل التي نزحت للكويت طلبا للرزق والعيش وتشكك بإنتمائهم للوطن، وإن كانت هذه القبائل التي تعوّدت على الهجرات داخل الجزيرة العربية باعتبارها بلادهم، ترى أن الكويت أصبحت مكاناً أفضل للعيش بعد اكتشاف النفط. فما كان من بعض الحضر إلا أن رأوا من نزوح القبائل على “فريجهم” غزوا، فحاربوهم بكل الوسائل المشروعة والغير مشروعة. ولم يعلم الحضر أنهم هم أنفسهم كانوا بدواً في يوم من الايام ونزلوا هذه الارض في وقت أبكر!
العنصرية البدوية:
عمدت القبائل في هجراتها داخل الجزيرة العربية الى الدخول في حروب مع أي قبيلة ترفض السماح لهم بالدخول في مراتعهم، لذلك فإن لغة القوة هي الطاغية في الحوار بين القبائل، حتى وإن استدعى ذلك استخدام الاساليب الغير مشروعة، ففي بعض الاحيان تجد منهم من يتفاخر إنه سرق وقتل فلان بن فلان، فغياب القانون الذي من المفترض أن يحكم جميع القبائل جعل ولاء الشخص لقبيلتهم فوق أي ولاء آخر، فهي من تحميه وتؤمن له لقمة العيش. لذلك ما كان من بعض القبائل إلا أن يواجهوا رفض الحضر لوجودهم بإستخدام القوة والاحتماء بإسم القبيلة وإتسمت بعض ردود أفعالهم بـ”الإنتقامية”، وفي نفس الوقت عزز هذا الامر عند الحضر أنهم تحت غزو “استعمار قبلي”.
عندما يكون النفط “نقمة”!
لعل السبب العميق خلف هذا الصراع هو النفط، فعندما عثر أهل الكويت قديماً عليه، كان جل ما يطمحون له هو المحافظة على أقل عدد ممكن من المواطنين، فكلما قل العدد زاد نصيب كل فرد، وكان فكرة استهلاك النفط طاغية على فكرة استثماره، ومن جهه آخرى فإن القبائل وجدت في النفط مرتعاً طويل الامد يكفيها عناء الهجرة والانتقال فنزحت للدول النفطية ومنها الكويت، فما كان من اهل الكويت قديماً “الحضر” الا رفض تواجدهم ، فبدأ الصراع الذي لم ينتهي حتى الآن.
مفهوم الدولة:
مع الاسف لازال بعض أبناء الحضر والبدو يعيشون أزمة صراع ولازال كل منهم رافضاً للآخر، فليست هذه الدولة التي يطمح لها أي مواطن، إن الدولة هي مفهوم آخر لا العقليات العنصرية الحضرية منها والبدوية تتسع لإدراكه، إن الدولة هي الفضاء الذي يتسع لجميع المذاهب والاعراق، وهي المؤسسات الذي ينال كل شخص فيها حقة بقدر كفاءته وتفوقه، أنها هي الجو الذي يتنفس فيه الجميع هواء العدالة و تطبيق القانون. إنها البحر الذي تتبخر منه جميع الانتماءات والولاءات ليبقى فقط الولاء للوطن. من يجهل مفهوم الدولة يصعب علية التعاون مع الطرف الاخر لأجل بناء الوطن ، ليصبحوا حجر عثره أمام أي تطور أو أي شكل من أشكال النهضة!
من المسؤول؟
لم أعد أحمل الحكومات العربية مسؤولية حل المشكلات التي تعاني منها بلدانهم لأنهم لم يعودوا محل ثقة، لكن –من وجهة نظري- المسؤول الاول عن نشر ثقافة الدولة هي مؤسسات المجتمع المدني، التي مع الاسف كان طرفاً في هذا الصراع الطائفي، هذه الاحزاب والحركات السياسية والاجتماعية تعاني نفسها من هذا السرطان “النزاع الطائفي” الذي ينخر في عضمها، فلازالت فكرة “هذا منو ولده؟” تطغى على اختيار القيادات الحزبية والتي من المفترض أنها من يرتقي بالمجتمع ويشارك في حل مشكلاته. لذلك أحمل المسؤولية الأكبر في نشر ثقافة الدولة للجيل الجديد في هذه الاحزاب السياسية وجميع أطياف الشعب الكويتي، هذا الجيل الجديد الذي رأى ما آلت الية البلاد في وجود مثل هذا الصراع الذي خسر بسببه الجميع.
أضف تعليق