كتاب سبر

أهل عالي ما فكروا إلا تالي

في وسط التجاذبات السياسية حول قضية الداو كيميكال و بدلاً من أن يتجه النقاش الى كيف وصلنا الى هنا و معالجتها, تحول للاسف و كالعادة الى مباراة تسجيل نقاط في مرمى الخصوم السياسية و تراشق الاتهامات بين هذا و ذاك و خلط اوراق متعمد و اصبحنا كما المثل ” أهل عالي ما فكروا إلا تالي” اي بعد ان وقع الفأس بالرأس استوعبنا ما كنا نحذر منه منذ سنين.

 ان ما نعانيه و بكل بساطة و على مدى سنوات هو خلل بمسلك الادارة، فسلوك الدولة بمعالجة القضايا يؤكد ان مسلك الادارة الحكومي خلال السنوات الماضية قد اوصلنا الى ما نحن عليه، وبالتالي هو على سبيل المثال لا الحصر و لا يعنيني هنا صحة القرارات او المشاريع من عدمها و لكن اذكرها من باب بيان الخلل المزمن الذي نعانية: 

1. الحكومة تشكل لجنة لتقديم تصور لتعديل الدوائر الانتخابية في 2006 و جاء تقرير اللجنة الى تعديل الدوائر الى خمس، فتجاهلت الحكومة رأي لجنتها و قررت التعديل الى عشر دوائر، ثم تقرر بسابقة مثيرة تحويل مشروعها الى المحكمة الدستورية !! و حين اعترض الشارع الشعبي و السياسي قامت بحل المجلس، وبعد الانتخابات مباشرة توافق الحكومة على الدوائر الخمس التي حل المجلس بسببها !! اليس هذا خللاً في مسلك الادارة ؟ 

2. اعترضت الحكومة في 2008 على زيادة الرواتب 50 ديناراً بعذر ان هذة الزيادة ترهق ميزانية الدولة وحل المجلس على اثرها وبعد الانتخابات الجديدة مباشرة تم اقرار الزيادة بـ 120 ديناراً بدل الـ  50 ديناراً التي حل المجلس بسببها !! أليس هذا خللاً في مسلك الادارة ؟

3. صدر مرسوم اميري في 24 يونيو 2007 بانشاء شركة امانة للتخزين و في 2 سبتمبر 2007 قرر مجلس الوزراء الغاء المشروع ووقف الاكتتاب بعد اتهامات بتفريط املاك الدولة بأرض قيمتها 12 مليار دينار لصالح الشركة، وقد جاء الالغاء رغم تأكيد وزارة التجارة في 22 اغسطس 2007 ان اجراءات تأسيس الشركة نفذت بصورة قانونية وشفافه وخالية من الشبه الادارية و القانونية وقد تمت الموافقة من وزارة التجارة و لفتوى والتشريع ومجلس الوزراء.. اليس هذا خللاً في مسلك الادارة ؟

4. حصلت لجنة ازالة التعديات على املاك الدولة على موافقة مجلس الوزراء ووزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية وادارة المتاحف التابعة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب وبلدية الكويت على ازالة المساجد المخالفة (المعروفه بمساجد الشينكو) و بالفعل قامت اللجنة وبعد الموافقات الرسمية بعملية الازالة، وبعد تهديد احد النواب لرئيس الوزراء بالاستجواب عبر رسالة مسج أمر رئيس الوزراء السابق بوقف اعمال اللجنة وتعهد بإعادة بناء المسجد المخالف على نفقته الخاصة عبر رسالة مسج ايضاً، أليس هذا خللاً في مسلك الادارة ؟

 اما القطاع النفطي فحدث ولا حرج، فمسألة الالغاء امر معتاد و قضية الكي داو ليست الاولى، ففي عام 2006 عرضت شركة النفط الكويتية العالمية بيع مصفاة تكرير النفط في روتردام (هولندا) المملوكة للكويت و تقدم لشرائها 15 مستثمراً وأعلن فوز شركة “لوك اويل” الروسية بالصفقة، وبشكل مفاجىء تراجعت الكويت عن خطة بيع المصفاة، وفي حادثة مشابهه اخرى أعلنت شركة البترول الوطنية الكويتية عن مناقصة المصفاة الرابعة في 7 أكتوبر 2007 وتم اغلاق باب تسلم العروض في 26 ديسمبر 2007 وأعلنت نتائجها في 11 مايو 2008 ثم قرر مجلس الوزراء الغاء المناقصة وتم ابلاغ شركة “فلور” الامريكية و شركة “هيونداي”  الكورية الجنوبية بفسخ العقد، أليس هذا خللاً في مسلك الادارة ؟ 

الواضح من جميع الامثلة اعلاه أن المسلك الاداري للدولة (المتمثل بالحكومة) هو التراجع و عدم اللتزام و عدم الدفاع عن وجهة نظرها و رأيها رغم (و حسب ادعاءات الحكومة) ان قراراتها ومشاريعها متوافقة مع الدستور وقوانين الدولة وحاصل على الموافقات الرسمية ومتوافق مع دراسات الجدوى ومقصدها الاساسي هو مصلحة الدولة والمواطنين.

 

الحكومة تملك جيشاً جراراً من الموظفين وأعداداً هائلة من المستشارين وتملك المعلومات وتملك التقارير وتملك الهيئات والمؤسسات ودراسات الجدوى و مجالس التخطيط والاحصاء والوزارات والميزانيات وشركات التدقيق وبيوت الاستشارات العالمية و الخبراء وست محطات فضائية وواحدة ارضية واذاعة وهيئات اخبارية واعلامية وجميع ما سبق يوظف لصالح خدمتها و لدفاع عن رأيها و اقناع الرأي العام بقراراتها و مشاريعها، فهل يعقل بعد هذا كله الادعاء ان نائباً او سؤالاً برلمانياً او استجواباً او تصريحاً او بياناً او حتى “مسج” هو السبب باهدار مصالح الدولة و تنمية مواردها ؟ 

ان المنطق يحتم علينا ان نعتقد بعدم سلامة قرارات و مشاريع الحكومة، فلا هي تدافع عن نفسها وقراراتها ومشاريعها ولا سجلها الحافل بالاخفاقات يشفع لها، فكم من قرار او مشروع ثبت لاحقاً عدم جدواه او كان مثقلاً بالتجاوزات او الشبهات او السرقات او سوء التنفيذ ؟

 كمواطنين هناك حقيقة واحدة لا يمكن تجوازها و هي ان مجلس الوزراء يهيمن على مصالح الدولة، ويرسم السياسة العامة للحكومة، ويتابع تنفيذها، ويشرف على سير العمل في الإدارات الحكومية (المادة 123 من الدستور) و بالتالي هي المسؤولة امامنا كشعب.