أقلامهم

خلود الخميس: الذين يظهرون بصورة حماة الدين وعرابوه هم أنفسهم منتهكوه

نفاق المتدينين


بقلم خلود عبدالله الخميس
ليس العنوان الصفعة، بل هي ممارسات المسلم المتدين، سواء المنتمي لجماعة وتابع لتيار أو غير المنتمي، والصفعة الأشد هي مخرجات التربية الدينية للجماعات، المخرجات التي تشكل العامل الصادم لبيئات بلدان «مثلنا» محافظة في أعرافها وعاداتها وترسل عيالها للجماعة، أياً كانت، ليكونوا لهم يد عون لتدبر شؤون دينهم ثم صبه في دنياهم، ويصبحوا من كَسَبة الدارين، فماذا يحدث إذاً في مسلكهم بعدئذ؟
حقا إن النفس البشرية ليس لها ثوابت ليسهل قياسها، ولكن المؤصلين، يضعون قسطاس الشريعة ومنه ينطلقون للقياس، وعبره يصنعون البرامج والوسائل والأنظمة التي من شأنها أن تبني الشخصية المسلمة، ولكن للأسف ليس هذا ما ينتج، فما السبب؟
لا يخفى على القارئ، أن القدوة تسبق القول، وقد كان الحبيب محمد، صادقاً أميناً قبل أن يُصطفى نبياً رسولاً في الأربعين، وبعد البعثة صار خلقه القرآن، ورغم كمال القدوة، وولاء الأتباع، ظهرت حالات «شاذة» من غير الصالحين؛ ذلك لأن الدين نزل لبشر، وليست لعصمة البشر.
ولكن الخلل اليوم أن الحالات «الشاذة» هي السائدة، وذلك في عمق الجماعات، ومريديها، وعلمائها، فهل سنستمر في تزكية المسلم التابع لتيار فقط لأننا نخاف على التيار؟
وحتى صورة المسلم العاميّ البراقة بفطرتها بهتتْ، فهل نلوم العدسة التي نراه من خلالها؟ هل نتهمها أنها مغبشة؟ وحقائق لا بد من البحث عن أسبابها، وعلى الجماعات خاصة الوقوف عليها إن كانت تريد لدعوتها ولأتباعها أمراً رشدا.
الذين يظهرون بصورة حماة الدين وعرابوه، هم أنفسهم منتهكوه، ما يكشف التناقض الكبير والشديد بين بياض فكرة الإسلام كعقيدة ومنهج، وضبابية سلوك أتباع التيارات الإسلامية كمنهجية، والمبرر بجرأة، سبب مباشر في نفور العامة منهم لأنهم يدعون الناس إلى ما لا يفعلون، وإذا أخطؤوا ينبشون لأنفسهم عن مخرج شرعي، بينما يضيقون على العامة.
المتدينون تحت المجهر، وكل موقف متوقع منهم استجابة توافق الشرع، وهذا طبيعي جداً، فالمحجبة تنتقد أكثر من السافرة إذا جاءت بسلوك مخالف للدين، والملتحي يُستهجن أكثر من الحليق إذا فعل أيضاً، لأن الشكل مظهر اتباع لطاعة، والسلوك يعكس القناعة، والإيمان الذي يتأرجح بين الزيادة والنقصان عبادة قلبية في المقام الأول، إن لم يتم تحويطها تندلق للخارج وتفتن على محتوى قلب صاحبها!
لذلك يقتفي الناس تصرفات المتدين، وبالذات المنتمي لجماعة، ضعف اقتفاء غيره، لأنه أعلن أنه ممثل الله في الأرض، ويطبق أوامره، فكان حقاً عليه أن ينظر لعظمة من يمثل، ولكن الواقع عكس ذلك!
التيارات الإسلامية منها المتمدن ومنها المتشدد ومنها الخليط، وأغلبهم في مختلف المجتمعات الإسلامية، عنصر طارد للعامة المسلمة، فهل تساءلوا عن سبب أزمة الثقة تلك؟ وهل تهتم تلك التيارات بالفعل بذاك السبب؟ وإن اهتمت وعرفته، فهل ستقوم على إصلاح الخلل واستعادة الصورة الذهنية المتوقعة من المتدين، وبالتالي تصبح الجماعة أقرب للشارع، ومن ثم أصلح لقيادة المجتمع؟ أم ستكتفي بالتوسع بتكاثر أعضائها أو بالانضمام التقليدي المبشر بالجنة لمن تبعهم والنار لمن خرج عنهم؟
المؤلم أن المتدين عندما يرتكب سلوكا مخالفا للشرع، من قول أو عمل، بدلاً من الاعتراف بالبشرية والاعتذار والتسامي على غرور النفس وانتصارها لخطيئتها، ينبش بالنصوص والأحاديث والتفسيرات الأحادية لتوافق هواه ويدافع عن ذاته، أو يتمترس بجماعته التي تتكفل بتغطيته بالفتاوى!
المتدينون، والجمع للتغليب، لديهم نفاق لا يدرون بوجوده لأنهم مغرورون بأنهم على الحق وسواهم دونهم وعلى الباطل، ويتتبعون صغائر أمور الحياة الشخصية للآخرين ويحيلونها إلى خلاف عقدي، وتعاموا عن كبائر حياتهم الشخصية، وألغوا فكرة القدوة في أنفسهم لجهلهم عيوبهم فأنّى يرونها وأعينهم تراقب كل الناس عداهم؟ فأهملوا إرساء المجتمع المسلم الذي يتراكم من خلاله حب الشعيرة قبل تقديسها، وتناسوا أن فهمها يسبق حبها، ومن ثم يصبح التطبيق بديهياً.
لقد غرقوا بنزاع الآخر بدلاً من انتزاع أنفسهم من تجاذباتها التي أدت إلى تناقض بين الشكل الملتزم، والسلوك البشري الخطاء تارة والرجاع للحق تارة أخرى، حتى عمّ الخطأ وصار الرجوع استثناءً.
إن التركيز على سلوك المسلم المتدين، ليس إلا غيرة على مظهر الإسلام الذي نراه في ثوبه القصير ولحيته وحجابها.
لأن من المؤسف جداً، أن يكون المسلم ظاهره الرحمة، وباطنه العذاب!