أقلامهم

محمد الجاسم: بموجب هذا الحكم أصبح بالإمكان الطعن على المراسيم الأميرية

سقوط نظرية الأعمال السياسية


محمد عبدالقادر الجاسم



كي تتوصل إلى الحكم ببطلان انتخابات 2012، اضطرت المحكمة الدستورية إلى العدول عن بعض المبادئ التي استقر رأيها عليها طوال السنوات الماضية، فقد كانت المحكمة تحدد نطاق رقابتها على الانتخابات في حدود الطعن الانتخابي، وأن حدود الطعن الانتخابي هي «العملية الانتخابية»، وأن المقصود بالعملية الانتخابية هو التصويت والفرز وإعلان النتيجة. وكانت المحكمة تعلن في السابق أنها لا تراقب أي إجراء يسبق التصويت حتى لو كان باطلا، ومن ذلك قررت المحكمة في حكم صادر في العام 2008 أنها لا تنظر في إجراءات الترشيح حتى لو كانت باطلة باعتبار أن (الترشيح) ليس جزءا من (العملية الانتخابية) بل هو سابق عليها، وبالتالي لا تمتد إليه رقابة المحكمة الدستورية.


ولأن إبطال انتخابات 2012 يستدعي (توسيع) نطاق رقابة المحكمة الدستورية، فقد عدلت المحكمة عن رأيها السابق وأجازت لنفسها أن تراقب كل الإجراءات السابقة على الانتخابات، حتى لو لم تكن جزءا منها، وهذا التوسع هو الذي استخدمته المحكمة لفحص مرسوم حل مجلس الأمة ثم مرسوم الدعوة للانتخابات وبالتالي إبطالهما.


كما أن المحكمة الدستورية اضطرت أيضا إلى العدول عن اتجاهها السابق بشأن المصلحة من الطعن، إذ إنها كانت تصر في السابق على وجوب توفر مصلحة مباشرة للطاعن من طعنه، إلا أنها في الطعن الأخير حكمت ببطلان الانتخابات في طعن كانت مصلحة الطاعنة فيه تتطلب إعادة الانتخابات، لا إعادة مجلس 2009.
وعلى أية حال، فإن عدول وتراجع المحكمة عن قواعد سابقة ليس بالأمر المعيب إطلاقا، إلا أن المهم هو أن تستقر المحكمة وتلتزم بالمبدأ الجديد الذي أقرته في حكمها الأخير.


 إن مقتضى المبدأ الجديد هو توسيع نطاق رقابة المحكمة الدستورية على المراسيم الأميرية وهو ما يفتح الباب أمام القضاء العادي لنظر «الأعمال السياسية» التي كان محظورا على القضاء نظرها. فبموجب هذا الحكم أصبح بالإمكان الطعن على المراسيم الأميرية الصادرة برد القوانين مثلا متى كانت إجراءاتها باطلة، بل إن الباب أصبح مفتوحا للطعن على مراسيم تشكيل الوزارة متى كانت إجراءاتها باطلة.


إن حكم المحكمة الدستورية الأخير لا يخلو من مصلحة عامة إذ إن المحكمة أسقطت نظرية «الأعمال السياسية» التي كانت تكبل المحاكم وتقيدها شريطة التزام المحاكم بمضونه والقياس عليه والتحرر من هيمنة فكرة «الأعمال السياسية».