كتاب سبر

فولتير لو كان حيا

في عام 1761 فوجىء  جان كالاس  تاجر القماش بوجود باب متجره مفتوحا وابنه البكر مارك مقتولا بداخله وحول رقبته خيط اسود, صاح عدد من المتجمهرين بعد حضور قائد الشرطة ديفيد بودزيغ بأن السيد جان قتل ابنه لأن الأخير أراد ان يغير مذهبه البروتستانتي إلى الكاثوليكي وأيامها كانت موجة الكراهية طاغية ضد المذهب البروتستانتي من  قبل الغالبية الكاثوليكية في فرنسا وقد صدق تلك الاشاعة فقام بحجز كل من الوالد والوالدة  وابنهما وخادمتهما وضيفهما  فرانس لافاييس الذي قاده حظه العاثر لهم في تلك الليله، لكن الاب نفى نية تحول ابنه إلى المذهب الكاثوليكي وأصر على إن الابن كان ضحية لأشخاص اقتحموا المتجر ، إلا أن الاسرة عادت في اليوم الثاني وغيرت أقوالها حين قالت أن ابنها انتحر، وأثار هذا التراجع محقق الشرطة وأصر على أن الاسرة تكذب معتقدا بأنها تهرب من جريمة تغيير مذهب ابنها. 

 لكن واقع الحال أن الاسرة كانت لاتريد في بداية الامر أن تقول  انتحارا لان تلك الفعلة تعتبر عملاً غير أخلاقي كما أن جثة المنتحر تسحل في الشوارع  ويبصق عليها المارة ، كما أنهم أقروا بأن رواية القتل من قبل اخرين لن يصدقها احد.. فهل إنتهى الامر عند هذا الحد؟..  طبعا لا , فالسيد محقق الشرطة أصر على الدفع  بالقضية  تحت دوافع الكراهية  والاضطهاد الديني والتعصب الذي تعيشه فرنسا بوجه خاص وأوروبا بوجه عام في ذلك الوقت . 
استمع لشهود زور قالوا إنهم شاهدوا بأم أعينهم الوالد يقتل ابنه في متجره.. ورغم الضغوط وصنوف التعذيب الذي تعرضت له الاسرة نفى جان كالاس تلك التهم وبعد شهر تم الحكم بالموت حرقا على  الزوج والزوجه والابن والضيف والخادمة.  
وبعد أيام تم تغييرالحكم إلى الاعدام بالمقصلة للأب والمؤبد للزوجة والإبن والبراءة للخادمة والضيف.. وسيق الاب  إلى ساحة الكنيسة لمقصلة الاعدام  أمام  وابل من شتائم الجمهور الكاثوليكي، وتلي على مسامعه الحكم واستمر في نفيه للقضية وقال ” لقد قلت الحقيقة هل تعتقدون أن يقدم أب على قتل ابنه؟ سأموت بريئا ولست آسفا ” وتم بعد ذلك قطع أطرافه وأجهز عليه بعد ساعات . 
كان من بين الجمهور في تلك الساحة صديق لفولتير التقاه على الحدود الفرنسية السويسرية حيث مقره المؤقت والذي يقضي فيه معظم أوقاته هربا من رجال الدين المتعصبين، وأخبره بما جرى من مأساة لتلك الأسرة البروتستانتية حيث أخذ فولتير يتابع فصولها  ويبحث مدى قانونية المحاكمة  مع أصدقائه القانونيين، وتوصل إلى أن الأمر يصل إلى الجريمة الانسانية ارتكبت بحق تلك الأسرة التي عاشت مأساة مزدوجة برحيل الابن ثم الأب وأمام ضغط الرأي العام أعيد فتح ملف تلك القضية في فرنسا بسبب ماشابها من مخالفات قانونية، وأن الأب راح بالأساس ضحية  الكراهية والتعصب والإنغلاق  والأحقاد  المسيطرة ولغياب التسامح الديني على  المجتمع  , وبعد ثلاث سنوات من تلك الجريمة تمت تبرئة الأب من قتل ابنه وتعويض الأسرة ماديا بسبب موقف زعيم التنوير في أوروبا والتي كانت تلك القارة على مشارف الحرية للدور الذي لعبه  الفيلسوف الكبير . 
ترى ولو كان فولتيرا حيا وشهد  وقائع ماجرى لعبيد الوسمي والصحفي محمد السندان أو ماجرى من فصول لاحقة  للمشهد السياسي في الكويت ومن انتقائية في تطبيق القوانين ,  أو لو وضع صورة  عبيد الوسمي وهو يضرب كما نشرتها صحيفة  “الراي ” قبل إسبوع  أمام خبر صحيفة ” عالم اليوم ”  في نفس اليوم الذي يحمل البراءة بمانشيت عريض.. ترى ماذا سيقول فولتير الذي انتصر لوقائع جريمة لم يرها فكيف بأحداث موثقة بالصوت والصورة جرت أمام الكرة الأرضية ؟ .