أقلامهم

فيصل أبوصليب: هنالك من يقاوم التيار ويسبح ضده، ولا شك بأن ذلك قمة الغباء ومنتهى الحماقة

ضاعت الحسبة!

كتب د. فيصل أبوصليب
حكمت المحكمة، وعاد المجلس، الذي رفضه الناس، أو مجلس القبّيضة، كما وصفوه، رجع بقوة الدستور، وخطأ الإجراءات، وها هم بعض أعضائه يطلون علينا من جديد، بعدما تواروا عن الأنظار، من سوء ما صنعوا، فلا مرحبا بهم. لقد عاد ذلك المجلس الخائب بقوة الدستور، كما تقول المحكمة، ولا نملك أن نقول شيئا بعد حكمها، ولكن ربما كان للأمة رأي آخر، وتسقطه بقوة إرادتها، كما فعلت من قبل، فهي مصدر السلطات جميعا، هكذا نجد في الدستور، ويحق لها أن تختار من يمثلها، وترفض من يخذلها، وقد صاحت الأمة، وارتفع صوتها ليبلغ عنان السماء، ويسمعه القاصي والداني، برفضها لمجلس الفساد، الذي خان الأمانة وخذل الأمة، وعندها قال الشعب كلمته فقضي الأمر، ورفعت الأقلام وجفت الصحف. 
وعقارب الساعة لا تعود إلى الوراء، والغريب أن هناك من يريد إعادتها، ويقاوم التيار ويسبح ضده، ولا شك بأن ذلك قمة الغباء ومنتهى الحماقة. فلم تعد الظروف هي الظروف، ولم يعد الناس هم الناس، ومن السذاجة النظر إليهم على أنهم قطيع من البشر يسيرون ولا يخيرّون، فلقد ولد الإنسان ليكون حرا، لا يقبل بأن تسلب إرادته، فالحرية صفة لصيقة به، من مهده إلى لحده، هكذا يقول جون لوك فيلسوف الثورة الإنجليزية، وقالها قبله الفاروق عمر. وليس من مصلحة أحد الضغط على الناس بهذه الصورة، فلقد كانت البلد على “شفا حفرة” قبل حل مجلس الرشاوى، وليس مقبولا إرجاع الناس إلى نقطة الصفر، فالناس يمكنهم التعايش مع كل شيء، إلا الفساد، لا يقبله الصالحون، وإلا القهر، لا يطيقه الأحرار. 
والحقيقة بأن الأوضاع في البلد ليست على ما يرام، كما يقال، ولم يكن ينقصها إلا هذا الحكم الذي جاء ليزيد الطين بلة، وربما كانت رب ضارة نافعة، فقد أزال هذا الحكم الرتوش ومساحيق التجميل التي استخدمناها سنوات طوال لنخفي بها عيوب وجه ديمقراطيتنا المشوه، ولعله يكون القشة التي تقصم ظهر البعير، ليرتفع سقف المطالبات الشعبية بتطبيق حقيقي وممارسة فعلية للديمقراطية، بشكلها الأصلي، وليس المزيف، ويبدو بأن أعضاء “الغالبية” قد استفاقوا من غفلتهم، ليطالبوا اليوم ويتعهدوا للناس بتشريع إصلاحات سياسية جذرية، إذا عادوا إلى المجلس، وكأنهم لم يكونوا فيه قبل أيام ! 
لقد قلنا حتى بُحّت أصواتنا، وكتبنا حتى جفت أقلامنا، بأن الشعب الذي انتخب أعضاء المجلس الأخير ليكونوا غالبية في البرلمان، كان يتوقع منهم الكثير، من تشريعات تكافح الفساد، وإصلاحات سياسية جذرية تنتشل البلد من الحلقة المفرغة التي يدور فيها منذ أمد بعيد، ولكنهم ضيعوا الفرصة، وانشغلوا بالتسابق في تقديم الاستجوابات، دون قوانين مكافحة الفساد، وبتشريع قانون الحشمة وتعديل المادة 79 دون قوانين الإصلاح السياسي. وها هم اليوم يعودون إلى ساحة الإرادة ليوعدوا الناس بتشريع هذه القوانين المستحقة، في حال عودتهم إلى المجلس بنفس الغالبية السابقة، وهي التي كان بيدها فرصة ذهبية لم تحسن التعامل معها بالشكل الجيد، ولعل هذه الفرصة تعود يوما.
ويبقى أن نقول بأنه في هذه اللحظات الفارقة من تاريخ الكويت السياسي يجب أن يكون للقوى الشبابية دور حقيقي في رسم مسار المرحلة القادمة، فلقد كشفت الأيام والتجارب بأن السياسيين يقولون مالا يفعلون، وجل تفكير الكثير منهم ينحصر في الانتخابات دون أن تكون لديهم رؤية حقيقية في كيفية تحقيق الإصلاح السياسي.