اقتصاد

الإصلاحات الاقتصادية المرتقبة ستحسن الأوضاع وتخلق المزيد من الفرص
“بيتك للأبحاث ” : 2,5 % النمو المتوقع للاقتصاد المصري في 2012

أعدت شركة بيتك للأبحاث المحدودة التابعة لمجموعة بيت التمويل الكويتي ” بيتك” ، تقريرا حول الأوضاع الاقتصادية الراهنة والمتوقعة في الفترة المقبلة في مصر عقب التحول السياسي ، مبديا تفاؤلا إزاء الاقتصاد المحلي في ظل الرغبة في تحقيق الوئام السياسي بين جميع الأطراف ، والتوقع بأن تسارع الحكومة الجديدة  في اتخاذ إجراءات إصلاحية . 
وتوقع التقرير أن يحقق الاقتصاد المصري نموا بنسبة 2,5 % خلال العام الجاري ، مشيرا إلى أن التحديات لاتزال قائمة أمام نهضة مصر في ظل تراجع حجم الاحتياطي الأجنبي وبقاء العملة الوطنية عرضة للمخاطر مع غياب المساعدات وتدفقات الاستثمار .. وفيما يلي التفاصيل:  
أعلنت اللجنة العليا للانتخابات المصرية في 24 يونيو الجاري اسم المرشح الإسلامي محمد مرسي من جماعة الإخوان المسلمين كأول رئيس للبلاد منتخب بإرادة حرة في 24 يونيو 2012. ويعد هذا بمثابة نقطة تحول في مسار انتقال الوطن العربي نحو الديمقراطية حيث قبع العسكر في حكم مصر لعدة عقود. وعمت الاحتفالات جميع أرجاء مصر بعد إعلان مرسي رئيساً وطغت البهجة على مؤيديه ومعارضي النظام السابق الذين اكتظت بهم الشوارع. وسيتبع ذلك تعيين حكومة جديدة دائمة مما يفتح الطريق أما إرساء سياسات أكثر فعالية في النصف الثاني من العام.
تغير المشهد في مصر
حظيت الانتخابات الرئاسة المصرية بأهمية بالغة سياسياً واقتصادياً. فقد ارتفع مؤشر “EGX30” بمقدار 3.3% ليغلق عند مستوي 4166.3 نقطة في 24 يونيو 2012 من 4031.6 نقطة في 21 يونيو 2012 بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات. ويتم ترجيح مؤشر EGX 30 الذي يقيس أداء أنشط ثلاثين شركة برأس المال السوقي ويتم تعديله بنسبة الأسهم الحرة إلى إجمالي الأسهم المتضمنة فيه.
يمكن أن يؤدي التوزان الغامض للقوى في مصر بين العسكر من جهة والهيئات الديموقراطية الناشئة من جهة أخرى إلى حدوث بعض التوترات، ولكن ما يدفعنا للتفاؤل هو استعداد الجانبين لتقديم تنازلات من أجل التسوية. وبينما كان الاختلاف السياسي بين اثنين من مرشحي الانتخابات الرئاسية حاداً، فإننا نرى أن هناك مجالاً للتقارب في البرامج الاقتصادية. ومع ذلك، فسوف يستغرق ذلك بعض الوقت لوضع سياسات اقتصادية. وقد كانت البرامج الاقتصادية التي طرحها مرشحو الرئاسة متشابهة نوعاً ما حيث إن خططهم متوسطة المدى؛ ورغم أن الخطط لا تزال غامضة بدرجة لا تسمح بزيادة الإنفاق الاجتماعي مع حملة ضبط الأوضاع المالية العامة تدريجيا. وربما لا يزال البعض يشك في قدرة جماعة الإخوان المسلمون على قيادة العملية السياسية الجديدة، فإن الغالبية يكسوها الاطمئنان نحو جدول الأعمال السياسية الواقعي الذي حددته الجماعة والدعم القوي للقطاع الخاص.
وقد تباطأ نمو إجمالي الناتج المحلي السنوي الفعلي لمصر ليصل إلى نسبة 1.8? على أساس سنوي في عام 2011 من 5.1? على أساس سنوي عام 2010، في أعقاب الاضطرابات السياسية. وفي نفس الوقت، فإن تدهور البيئة الخارجية (وبصورة كبيرة  في أوروبا) يؤدي إلى تضخيم الآثار السلبية على حركة البضائع وأسعار السلع والسياحة وتدفقات رؤوس الأموال. ومع ذلك، فمن المتوقع أن يتحسن نمو إجمالي الناتج المحلي السنوي في مصر إلى نسبة 2.5? على أساس سنوي في عام 2012 حيث سيوفر تحسن الإصلاحات السياسية والاقتصادية في مصر المزيد من تكافؤ الفرص الاقتصادية وتحسين فرص الحصول على الائتمان من خلال تعزيز البنى التحتية في الأسواق المالية وتعزيز بيئة الأعمال.
ووفقا لتقرير ممارسة أنشطة الأعمال في 2012 الصادر عن البنك الدولي، فإن ما يقرب من 94% من البلدان العربية الثمانية عشر المشمولة في العينة – قد نجحت في جعل بيئة الإجراءات التنظيمية والرقابية المطُبقَّة أكثر ملاءمة لأنشطة الأعمال. واقتربت هذه البلدان أكثر فأكثر من الحد الأعلى للكفاءة (frontier) وهو مؤشر تركيبي لقياس الاقتراب من الحد الأعلى للكفاءة استناداً إلى تطبيق الممارسات الإجرائية والتنظيمية الأكثر ملاءمة عبر تسعة من مجالات تنظيم أنشطة الأعمال – من بدء النشاط التجاري إلى تسوية حالات الإعسار. وعلى مستوى البلدان العربية، حققت جمهورية مصر العربية أكبر تقدم في تضييق المسافة إلى الحد الأعلى للكفاءة بين 2005 و 2011.
بدأت مصر مع مستويات عالية نسبياً من البيروقراطية وضعف حماية حقوق الملكية الفكرية وفقاً لتقرير ممارسة أنشطة الأعمال. ومع ذلك، ومنذ عام 2005، قامت مصر بتنفيذ 23 إصلاحاً تهدف إلى تسهيل القيام بأنشطة الأعمال حيث أنشأت عام 2005 أول نظام لجمع الخدمات المختلفة في مكان واحد ،  مما يجعل الخدمات المتعلقة بالتسجيل الضريبي وعضوية غرفة التجارة والتوثيق والنشر متاحة تحت سقف واحد. وكان هذا جزءاً من سلسلة من الإصلاحات تم القيام بها على مدى عدة سنوات تهدف إلى تيسير البدء في النشاط التجاري. كما أدت التغييرات إلى تخفيض عدد الإجراءات المطلوبة من 13 في عام 2004 إلى 6 في 2011 وكذلك تقليص الإطار الزمني ??من 37 يوما إلى 7 أيام والتكلفة من 66? من معدل دخل الفرد إلى 6?. وتم القضاء على الحد الأدنى لرأس المال المدفوع والذي يصل إلى 800% من معدل دخل الفرد. وتحتل مصر الآن المرتبة رقم 2 في العالم العربي من حيث سهولة بدء أنشطة الأعمال.
ومع ذلك، فإننا نرى أنه من المرجح أن يحتفظ البنك المركزي المصري بإحكام قبضته على الجنيه المصري في المستقبل القريب، وستعتمد المثابرة على المزيد من هذا الدعم في المقام الأول على تحقيق الاستقرار السياسي وتطبيق السياسات المستدامة للاقتصاد الشامل. ويمكن أن تسهم المساعدات السعودية لمصر والتي يمكن تشبيهها بشريان الحياة  وفرض الضوابط الصارمة على تدفقات رؤوس المال للخارج في مساعدة البنك المركزي المصري في المحافظة على الاستقرار حتى الربع الرابع من 2012 ، ولكن ذلك سيكون انتظارا عصيبا اعتماداً على كيفية تطور الموقف السياسي.
وبلغ صافي الاحتياطيات الأجنبية 15 مليار دولار في مايو 2012 أي ما يعادل 3 أشهر من غطاء الواردات. وفي حين أن توقيت الدعم الذي سيتم تقديمه غير واضح، إلا ان وزارة المالية  أشارت إلى أن السعودية قد أودعت مؤخراً وديعة بمبلغ مليار دولار أمريكي لدى البنك المركزي المصري وتقوم بشراء مبلغ 500 مليون دولار أمريكي في سندات الخزانة في يونيو 2012. وإننا نعتقد أن هذه التدفقات قد تجف بصورة أساسية في يوليو 2012 مع استهلاك مبلغ 6 مليارات جنيه مصري كأوراق دفع سيادية والتي تستحق الدفع بالدولار الأمريكي وسداد مبلغ 7 مليارات دولار أمريكي من ديون دول نادي باريس. وهناك خطط لأن يقوم البنك المركزي المصري بإصدار سندات خزانة بالدولار الأمريكي وتجديد إعفاء التأمين النقدي والرسوم الجمركية على بعض المواد الغذائية وإدخال ترتيبات إعادة الشراء لمدة شهر لدعم السيولة لدى البنوك مما يوميء إلى أن البنك المركزي يعتزم المحافظة على الجنيه في المدى القريب.
ومن المرجح أن يبقى الجنيه المصري عرضة للمخاطر في ظل غياب المساعدات متعددة الجوانب والاستثمار الأجنبي المباشر أو تدفقات الاستثمارات الخاصة. كما أننا نتوقع أن يقوم صندوق النقد الدولي بتقديم ما يقارب من 3 مليارات دولار أمريكي في صورة دعم مالي في المستقبل والبحث عن المانحين الآخرين كي يفوا بالتعهدات التي قطعوها على أنفسهم في أعقاب الثورة. وحتى في ظل هذا الدعم، فإننا نتوقع أن نرى العملة ضعيفة بشكل كبير كما نتوقع أن يظل العجز المالي على نطاق واسع.
نحن على يقين بصورة أكبر من النتائج الاقتصادية وتسارع الإصلاحات الرئيسية في مصر عقب انتهاء الانتخابات الرئاسية الأخيرة. كما نتوقع من الحكومة الجديدة تحفيز ودفع المزيد من برامج الإصلاح الاقتصادي والتي تؤدي إلى زيادة دعم الاقتصاد. ووفقاً لتوقعاتنا، فإن مصر ستسجل نموا سنويا  فعليا في إجمالي الناتج المحلي لتصل إلى نسبة 2.5? على أساس سنوي في عام 2012 والتي كانت بنسبة 1.8? على أساس سنوي في عام 2011،  حيث إن تحسين الإصلاحات السياسية والاقتصادية في مصر سوف يوفر ويفتح الباب أمام العديد والمزيد من الفرص الاستثمارية والاقتصادية.
وبالرغم من ذلك، فإن التحديات لا تزال قائمة أمام نهضة وتقدم مصر. وقد كلفها قرار البنك المركزي بحماية قيمة الجنيه المصري أكثر من 60? من احتياطياته والجزء المتبقي يكفي لتغطية الواردات المصرية لمدة ثلاثة أشهر فقط كما في نهاية شهر مايو عام 2012. علاوة على أن أسعار الفائدة لا تزال مرتفعة جدا نتيجة لمتطلبات التمويل الحكومي العالية التي حشدت القطاع الخاص للخروج من سوق الائتمان وقامت بدفع تكلفة عمليات التمويل القائمة.