أقلامهم

لمى العثمان: هل يمكن أن ينهض أحفاد البنا بمصر؟ أين أحفاد الطهطاوي ومحمد عبده وطه حسين وغيرهم من رواد النهضة؟

لن نقول مبروك لأبناء البنا
لمى فريد العثمان
وتحقق حلم حسن البنا… وحان قطاف ثمار سني الحصاد الطويلة… ترى ماذا حدث لمصر؟ سؤال يتردد على الألسنة، لماذا سيطر الإخوان الذين ساهموا مع حكومة الفساد في التقهقر والتراجع؟ هل يمكن أن ينهض أحفاد البنا بمصر؟ أين أحفاد الطهطاوي ومحمد عبده وطه حسين وغيرهم من رواد النهضة؟ تلك الأجيال التي ناضلت ضد ظلام العصر العثماني ونهضت من تحت ركامه، فاستبدلت العبودية بالحرية والتمييز بالمواطنية، أجيال انتصرت لقيم الحرية في ثورة 1919 بشعارها “الدين لله والوطن للجميع” فسطرت الملاحم في التلاحم، أين أبناء هذه الأجيال؟
لكن لماذا كل هذا العجب؟ الجواب بسيط وواضح، لقد تسلل فكر الإخوان إلى شرايين المجتمع بروية وخطى حثيثة خلال سنوات مستغلين هشاشة الدولة واستبدادها وفشلها في بناء الإنسان والوطن، فحكم الإخوان المجتمعَ سنين طويلة قبل أن يصلوا إلى حكم الدولة.
عملت جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها في 1928 على تدمير فكرة “المواطنة” التي أسسها رواد النهضة، لأنها برأيهم كانت السبب في تدمير الخلافة الإسلامية العثمانية، فسعوا إلى تفتيت كل إرث رواد التنوير. كانت لعبة المصالح الداخلية مع القصر في فترات والتحالفات مع القوى الخارجية والتبرعات تلعب دوراً فعالاً في تمكينهم وصراعهم مع حزب الوفد الذي كان مسيطراً على الساحة، كما لعبت علاقة البنا بالشيخ حافظ وهبة مستشار الملك عبدالعزيز بن سعود دوراً في التنظيم والانتشار في أرجاء مصر.
أنشأت الجماعة جهازاً سرياً مسلحاً نفّذ عمليات التفجير والاغتيال لمعارضيها، وقد كتب محمود الصباغ أحد قادة الجهاز السري مفتخراً بدورها وموثقاً لحقائقها… تبدلت بعد ذلك توازنات السلطة التي أصبحت قوة الجماعة تهددها… لتحل حكومة النقراشي جماعة الإخوان في 1948 بحجة أحداث العنف، ويتم اغتيال النقراشي ومن ثم يُغتال حسن البنا.
دخل الإخوان بعد ثورة 1952 في صدام مع عبدالناصر، وبعد حادثة المنشية اعتُقِل الإخوان وعُذِّبوا في السجون وأُعدِم عدد من قادتهم الفكريين (كسيد قطب) ليهاجر الكثير منهم إلى السعودية… وحين تسلّم أنور السادات الحكم، تصالح مع الأحزاب الإسلامية وفتح لهم أبواب المنابر والإعلام والتعليم، واستخدمهم لضرب خصومه من المثقفين الذين قُمِعوا وأُغلِقت مجلاتهم وصحفهم، ليتغلغل الإخوان إلى كل مسامات المجتمع، ولتخرج من عباءتهم تيارات أشد تطرفاً وعنفاً، وينقلب السحر على الساحر بعد معاهدة السلام مع إسرائيل، ليغتال السادات ويخلفه مبارك الذي حكم بقانون الطوارئ الاستبدادي بحجة الحرب على الإرهاب، لكن تمكّن الإخوان في السنوات الأخيرة من أن يشكّلوا المعارضة الأكبر والأكثر تنظيماً، بالرغم من تصريح مرشدهم العام محمد بديع في 2010 بأن “مبارك أب لكل المصريين”.
سقط مبارك على صوت هدير الثوار، ليصحو الثوار على حقيقة مُرّة وهي ركوب الإخوان على ظهورهم وفوزهم في البرلمان واستئثارهم بالسلطة دون إشراكهم، ومن ثم تسلّمهم لزمام الحكم الذي حلموا به أكثر من 80 سنة… ولا عجب أن يفزع ويهلع الكثير من المصريين على مستقبلهم ومصيرهم، فتصريحات المرشد السابق مهدي عاكف لا تزال عالقة في الذاكرة حين قال في 2006: “طز في مصر” في رده على سؤال أحد الصحافيين: “هل ترضى لمصر بحاكم مسلم غير مصري أم مسيحي مصري؟”
لكن اليوم ليس كالبارحة، فموقع المعارضة ليس كموقع الحكم، كما أن الإخوان مدينون للقوى المدنية التي عصرت الليمون فوق الرؤوس وصوتت لهم، ليس حباً فيهم بل كرهاً في النظام السابق وصوناً لدماء الشهداء… فهل يستفيد الإخوان من دروس التاريخ ويتخلون عن فكرهم الإقصائي كما تخلوا عن العنف المسلح، ويلتزمون بقواعد اللعبة الديمقراطية؟ أم سيخذلون القوى المدنية كما خذل “ملالي” إيران حلفاءهم بعد الثورة؟ وهل يتعلمون من نجاح حزب أردوغان الذي احتوى الجميع بمدنيته وفهمه للواقع ومتطلبات عصره؟ أم سيحلون الفاشية الدينية محل الفاشية العسكرية؟ لا نملك إلا أن ننتظر قبل أن نحكم أو نبارك.