آراؤهم

إياك أن تعتذر!

كرد فعل طبيعي فإن مهارة التعامل مع الثعابين وتعلم الإسعافات الأولية في حال تعرضت لهجوم منها ستكون من أولويات اهتماماتك إن كنت تعيش في غابة مليئة بالثعابين! هذا ما يقوله العقل! ولو أني كنت أتحدث إلى “ملاك” وأخبرته عن البشر وصفاتهم فلن استغرب إن قال لي: إذاً.. فأنتم أمهر المخلوقات التي تجيد الاعتذار!


الاعتذار سلوك راق ومهم وكل شيء جميل هذا ما تعلمناه منذ الصغر وما نسمعه كل يوم في مجالس الحكمة! .. ولكن هل نحن فعلا نجيد الاعتذار؟ فعندما ننوي الإساءة سنجد أننا نتقن مهاراتها بل نتباهى في مجالسنا بالطريقة التي يمكننا أن نضر بها الآخرين و لن أتفلسف وأقول لك إياك وهذا السلوك الخاطئ ولكنني سأركز على جانب آخر وأقول هل ستقوم بتقديم اعتذار بنفس الجودة التي أسات بها؟


إن الاعتذار – إن كان بطريقة سليمة طبعاً- هو اعتدال لموازين ضعفك وقوتك وصدقٌ مع ذاتك.. فاللإنسان طاقات لابد من تفريغها لكي يصل إلى اتزانه الداخلي سر قوته! وقصورنا عن الكمال المطلق حقيقة قد تصور ضعفاً فينا ولكن تفريغها بالطرق و القوالب الصحيحة يصنع منها قوة تعيد لنا الاتزان. وأكبر إشارة قد تدلك على أنك تعيش تناقضا وتأرجحا في شخصيتك هي ادعاؤك الدائم بأنك لست بمعصوم وفي الوقت نفسه لا تجد في حياتك موقفا يستحق اعتذارك!


أكرر سؤالي هل أنت فعلا تجيد الاعتذار؟ كم مرة قلت لأحدهم أنا آسف بعد أن شتمته أو اعتديت على حق من حقوقه أنا آسف وكأنك تمن عليه باعتذارك هذا؟ هل تشعر بالراحة بعد الاعتذار أم أنك تبدأ بخوض معركة جديدة؟
بل ومن الناس أيضا من يقوم بتنفيذ بنود إساءته بندا بندا وإن فكر بالاعتذار فإنه يختصر الكثير بل الكثير جداً لدرجة أنك لا تدري هل يقوم بالاعتذار حقاً أم يلعب كرة القدم! فبعد الإساءة يراك ويلقي عليك التحية أمام جمع من الناس بدم بارد أو يرسل لك مباركة في مناسبة ما ويعتبر هذا نوع من الاعتذار أو وسيلة من وسائل التطبيع .. وعند هذه المرحلة عليك ان تفهم قصده ونيته وسريرة نفسه وأن لا تخطئها أبدا بعد أن قام بقصف وهدم يقين ما عنده بإساءته إليك!


الاعتذار وإن كان بطريقة سليمة لا يعني أن يتقبله الطرف الآخر فصحيح أنك قد تراجعت عن الخطأ وصحيح بأن البشر يا عزيزي أصلهم من طين ولكن هذا الطين له من المشاعر والأحاسيس الكثير!  فالناس قد تتقبل الاعتذار ولكنها قد لا تنسى فلا تلمها، فلا يمكنك أن تخطئ اليوم وتعتذر اليوم ثم أن تطلب ممن اعتذرت له أن يبتسم في وجهك اليوم أيضاً حتى وإن قمت بالاعتذار بطريقة مثلى!


جهلنا بكيفية الاعتذار الصحيحة ولد لدينا الشعور بأن الاعتذار طريقة للتحدي أو الانتقام أو حتى الإساءة من جديد ، فبدأنا نرى الناس من حولنا كما نرى أنفسنا عندما نفكر أن نقدم الاعتذار ونحاسبها وفقاً لذلك.. فكم من طالب طرد من فصله لاعتذاره واعترافه بخطئه؟ كم من طفل ضرب واحمر وجهه لأنه اعترف وأراد الاعتذار حقا عندما أخبر أمه بأنه أخذ قطعة الحلوى تلك دون علم صاحب المحل؟


إلى هنا أقول لك أخي القارئ بأن ما أتكلم عنه ليس الاعتذار بعينه بل علاقتنا السيئة بـ “كيف”؟
ندعو للاعتذار ونعدد فضائله ولكننا لا نعرف كيف نعتذر.. نشجع على القراءة ليل نهار ولكن معظمنا في الحقيقة يقرأ إما ليصفق لكلمات من يحب ويهوى أو ليهجم على الآخر ليشبع نزواته وأفكاره التى صورها له الهوى.. ويبقى العقل في المنفى! الأمم تقرأ لتستفيد ونحن نقرأ لنتخلّف! نسمع عن فوائد الابتسام وأهمية الاحترام والتحذير من أن نذوب في ثقافة الغرب -أو الكفار كما يسميهم البعض بل أكثر من البعض-  ولا نجد من من يشرح لنا كيف ولا نحاول البحث أيضا.. فلا نجد ولا نحاول هذا تماما ما يسمى بالمفعول المضاعف الذي تعلمناه واقتبسناه من إعلانات المبيدات التي تقضي على الحشرات الزاحفة والطائرة! وصدق أولا تصدق فالكثير منا لا يعرف حتى كيف يحزن ولا كيف يفرح!


ستجد من سيقول لك بعد كل كلمة تقولها القرآن القرآن .. فتسأل ما هو أفضل كتاب لمواجهة تحديات الحياة فيقول لك القرآن.. ماهو أفضل علاج لهذا الداء سيجيب: القرآن القرآن أين أجد حلا لمشكلتي سيطربك بقول القرآن القرآن.. ولكن كيف؟ الله أعلم!


ولهذا إياك أن تقرأ إن كنت تريد الحرب لا العلم والاستفادة.. لا تكتب قبل أن تعي ما قد تفعله الكلمات.. لا تبتسم إن كنت تقصد زرع الحزن بأسلوبك الخبيث.. وإن كنت لا تعرف كيف يكون الاعتذار فإياك وإياك أن تعتذر!! فلا داعي لأن تضيف لإساءتك القديمة أخرى جديدة.



@DrNawras