أقلامهم

طارق المطيري: نحن أمام نخبة سياسية تقودها كتل نيابية، تقود تلك الكتل النيابية مجموعة من الرموز، وجميع من سبق لم يجتمعوا على مشروع

أما بعد
هناك خيارات أخرى 
طارق نافع المطيري
كلما تعددت خيارات المجتمع زاد احتمال نجاحه وتقدمه وازدهاره، والعكس كذلك، فإذا قلّت الخيارات أو انعدمت فسيواجه المجتمع خيارات صعبة وربما غير منتجة لواقع جديد ومختلف، لذلك أعتقد أن حيوية أي مجمع هي تعدد الخيارات وقدرته على إنتاج خيارات جديدة على مختلف الصعد الثقافية والاجتماعية والعقائدية والسياسية وغيرها.
على المستوى السياسي، نجد أن الخيارات السياسية محدودة جدا ومنذ مدة طويلة، فالمكونات السياسية التي تشكل أغلبية المشهد السياسي هي نفسها منذ أكثر من 30 سنة، ما جعل تلك المكونات معتادة إلى حد كبير على الوضع القائم، وحساسيتها في استشعار أهمية التغيير بطيئة جدا، كما أنها إذا استشعرت ذلك التغيير فسوف تستخدم أساليب تقليدية وأطروحات وخطابا مكرر المضمون، وإن بدا أحيانا بشعارات تعطي انطباعات مغايرة.
ودلالة ما سبق أنه على الرغم مما يمر به العالم من حولنا وتسارع الأحداث فيه، وعلى الرغم مما يحدث في العالم العربي تحديدا من تغييرات متسارعة وعميقة فإن استجابة النخبة السياسية التقليدية الكويتية حتى هذه اللحظة مترددة ومتحفظة جدا، وفي أحسن الأوصاف غير مواكبة للفرصة التاريخية التي يمر بها العالم العربي بالانتقال نحو ديمقراطية حقيقية.
بطبيعة الحال ليست هذه الكلمات في وارد المطالبة بثورة، لكن أيضا ليست في وارد اعتبار موقف المعارضة الحالي وأطروحاتها أنها تحول نوعي، فالكلام حتى الآن «رسميا» يدور حول حكومة تقليدية غير منتخبة يرأسها جابر المبارك، يكون من ضمن وزرائها عدد من المقاعد ترشحهم المعارضة لرئيس مجلس الوزراء، إضافة إلى ذلك مطالبة المعارضة ببعض القوانين المنظمة للعمل السياسي غير المتفق عليها في ما بين المعارضة، فضلا عن التعديلات الدستورية التي – حتى هذه اللحظة – لم تقدم كورقة واحدة مجمع عليها بشكل رسمي، ولا يوجد في أطروحات المعارضة أي أجوبة أو سيناريوهات متوقعة ومحتملة بشكل كبير، مثل احتمال رد الأمير وفق صلاحياته تلك التعديلات، كما رد تعديل المادة 79 قبل أسابيع.
وبالتالي، نحن أمام نخبة سياسية تقودها كتل نيابية، تقود تلك الكتل النيابية مجموعة من الرموز، وجميع من سبق لم يجتمعوا على مشروع، كما أن جميع من سبق حتى هذه اللحظة لم يتقدم برؤية ومشروع كامل للانتقال من واقع سياسي متخلف لعشرات السنين إلى مستقبل طموح يتوجه له العالم والمحيط بشكل واضح وحتمي، ومع كل ذلك نجد أن الخيارات محدودة جدا بمعارضة من هذا النوع لا تريد أي نوع آخر من المعارضة، أو لنقل غير مستعدة لتحمل نوع آخر من المعارضة. وكردة فعل «غريزي» على اجتماع المعارضة التقليدية، وتداركا لتبدل موازين القوى وما يترتب عليها من تهديد مصالح قائمة اليوم، اجتمع الطرف الآخر عند النائب محمد الصقر تحت عنوان «الكويت إلى أين؟»، وحسنا فعلوا باختيار ذلك العنوان الذي بطبيعة الحال سيستمر في إبقاء ذلك السؤال، والإيهام باستمرار حالة التيه التي يعيشها المجتمع، بينما السلطة ومن يطرح ذلك السؤال وحدهم يعرفون إلى أين تتجه الكويت، أو بالأحرى إلى أين تتجه ثرواتها وأموال شعبها، ولذلك هؤلاء أيضا ليسوا معنيين بطرح الخيارات الأخرى للخروج من هذا الوضع المزري.
إذن، هل نبشر بحالة عدمية لا مخرج منها؟ وهل هذه المقالة تستهدف استمرار حالة اليأس من التغيير والنجاة من هذا الواقع المتدهور برسم تلك الصورة القاتمة عن حالة أطراف الصراع؟
بالطبع لا، بل إنه وعلى الرغم مما سبق فإن ذلك من قبيل التشخيص الذي سيساعدنا جدا في تحديد الطريق الذي يجب أن نسلكه كشعب وكقوى أيضا، وإن كانت متصارعة، وذلك من خلال فرض الشعب لبيئة مختلفة وسقف مختلف ومشروع مختلف تضطر من خلاله المكونات السياسية التقليدية إلى التعامل معه والاستجابة له، وكذلك تسمح بولادة ونشوء خيارات سياسية غير تقليدية تساهم في تطوير العملية السياسية، وتستحث الغيرة السياسية للتيارات التقليدية للخروج من صندوقها القديم، وأظن أن الشعب قادر على فرض تلك البيئة المنشودة لو توجه لها كهدف، ولم يجامل المكونات الموجودة، ولم يدخل طرفا في حالة الاستقطاب الحادة الحاصلة بينها تحت ضغط الانتخابات المتكررة، وتحت شعار «أعيدوهم»!