أقلامهم

أحمد الديين: هناك تاريخا طويلا من محاولات السلطة للانفراد بإقرار النظام الانتخابي وتعديله والعبث به وفق حساباتها

تاريخ الانفراد السلطوي بالنظام الانتخابي!
كتب أحمد الديين
هناك تخوّف جدّيّ من محاولة سلطوية جديدة للعبث بالنظام الانتخابي في غياب مجلس الأمة وذلك بعد إصدار المرسوم المرتقب بحلّ مجلس 2009 بحيث تنفرد السلطة بإصدار مرسوم بقانون بتعديل آلية التصويت أو تغيير توزيع الدوائر لتقليص عدد الأصوات التي يستطيع الناخب أن يدلي بها في ظل نظام الدوائر الانتخابية الخمس من أربعة أصوات إلى صوتين فقط؛ أو لزيادة عدد الدوائر الانتخابية من خمس إلى عشر دوائر، بالتزامن مع مرسوم دعوة الناخبين لانتخاب مجلس الأمة الجديد… وبالتأكيد فإنّ إقدام السلطة منفردة على إقرار مثل هذه التعديلات على النظام الانتخابي في غياب مجلس الأمة من شأنه أن يزيد الأزمة السياسية المحتدمة في البلاد تفاقما وتعقيدا، بل يزيدها اشتعالا ويدفع بها نحو مسارات يصعب تقدير عواقبها!
والمؤسف أنّ هناك تاريخا طويلا من محاولات السلطة للانفراد بإقرار النظام الانتخابي وتعديله والعبث به وفق حساباتها وبما يمكّنها من التأثير على نتائج الانتخابات والتحكّم في مجرياتها… حيث تعود المحاولة الأولى لمثل ذلك الانفراد في هذا الشأن إلى العام 1961 في الأيام الأولى من استقلال الكويت، إذ كان هناك حينذاك ما يسمى “المجلس المشترك” الذي يضم كلا من أعضاء “المجلس الأعلى” من رؤساء الدوائر الحكومية وهم من كبار أفراد أسرة آل الصباح؛ وأعضاء “هيئة التنظيم” وهم نخبة من الشخصيات الكويتية البارزة، وكانت مهمة ذلك “المجلس المشترك” أن يضع مشروع قانون لانتخاب أعضاء المجلس التأسيسي الذي سيضع دستور البلاد، وكان داخل “المجلس المشترك” اتجاهان، أحدهما يتبنّاه أعضاء “هيئة التنظيم” من المواطنين حيث كان يدعو إلى أن تكون الكويت دائرة انتخابية واحدة، واتجاه آخر يتبنّاه أعضاء “المجلس الأعلى” من الشيوخ كان يدعو إلى أن تُقسّم الكويت إلى عشرين دائرة انتخابية… وحاول الشيوخ أن يفرضوا منفردين تقسيمهم العشريني للدوائر الانتخابية، وبالفعل صدر في السادس من سبتمبر من العام 1961 القانون رقم 25 لسنة 1961 بنظام انتخاب أعضاء المجلس التأسيسي الذي قضى في مادته الأولى بأن “تُقسّم الكويت إلى عشرين منطقة انتخابية بمراعاة عدد السكان على قدر الإمكان، ويصدر بالتقسيم قرار من رئيس الشرطة والأمن العام. وينتخب نائب واحد عن كل منطقة”، وتمّ نشر ذلك القانون في العدد 343 من الجريدة الرسمية “الكويت اليوم”، فاعترض أعضاء “هيئة التنظيم” على ذلك القانون المنفرد، وبعد جدلٍّ طويل وأخذٍّ وردٍّ وشدٍّ وجذب، تمّ التوصل إلى حلّ وسط بتبني نظام الدوائر العشر، فجرى تغيير القانون المنشور في الجريدة الرسمية حيث صدر في السابع من أكتوبر من ذلك العام القانون رقم 28 بنظام انتخاب أعضاء المجلس التأسيسي الذي قضى في مادته الأولى بأن “تُقسّم الكويت إلى عشر مناطق انتخابية بمراعاة عدد السكان على قدر الإمكان، ويصدر بالتقسيم قرار من رئيس الشرطة والأمن العام، وينتخب نائبان عن كل منطقة”.
وقد جرت انتخابات أعضاء المجلس التأسيسي وفقا لنظام الدوائر العشر، الذي تمّ التوافق عليه، وهو النظام ذاته الذي أقرّه المجلس التأسيسي بعد ذلك لانتخاب أعضاء مجلس الأمة مع تغيير في عدد النواب لكل دائرة من اثنين إلى خمسة، بما يتناسب مع زيادة عدد النواب من عشرين إلى خمسين، وهو النظام الذي جرى العمل به في انتخابات مجالس الأمة المتعاقبة من الأول إلى الرابع في 1975، الذي تمّ تعطيله في العام 1976 ضمن إجراءات الانقلاب الأول على الدستور… ونجد بعد ذلك أنّ السلطة عندما اضطرت في العام 1980 إلى التراجع عن انقلابها وإعادة العمل بالدستور تمهيدا لمحاولتها تنقيحه، فقد سارعت في غياب مجلس الأمة إلى العبث بالنظام الانتخابي عبر تفتيت الدوائر الانتخابية العشر الكبيرة إلى خمس وعشرين دائرة انتخابية صغيرة بحيث تنتخب كل دائرة نائبين عنها، فأصدرت في 17 ديسمبر من ذلك المرسوم بقانون رقم 99 لسنة 1980 بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الامة، وهو النظام الانتخابي سيئ الذكر الذي ساعد طوال ربع قرن على إفساد العملية الانتخابية وتخريب الحياة السياسية، واستمر ذلك النظام الفاسد قائما إلى العام 2006 عندما انطلق التحرك المطالب بالدوائر الخمس.
وامتدادا لهذا التاريخ الطويل من العبث السلطوي بإقرار النظام الانتخابي أو تعديله، هاهي السلطة تتجه الآن إلى تنفيذ محاولة جديدة منفردة لهذا العبث عبر تغيير آلية التصويت أو تغيير تقسيم الدوائر الحالية… ومع أنّ نظام الدوائر الخمس في وضعه الحالي ليس هو النظام الأصلح، وبالتأكيد فإنّه ليس الأعدل، ولكن هذا كله لا يبرر للسلطة أن تنفرد في غياب مجلس الأمة بتعديل النظام الانتخابي سواء عبر تغيير آلية التصويت أو تغيير الدوائر، فمثل هذا التعديل السلطوي المنفرد أيًّا كانت مبرراته إنما هو في حقيقته عبث مقصود يجب التصدي له ورفضه.