أقلامهم

أحمد الديين: الأهم من التصريحات الإعلامية هو ما حدث ويحدث على أرض الواقع من وقائع وترتيبات ومحاولات

انتفاء عنصر الضرورة وتوافر نيّة الإضرار..!
كتب أحمد الديين
لن أتوقف أمام تصريحات وزير الإعلام حول عدم تغيير الدوائر الانتخابية وآلية التصويت، ليس لأنها تصريحات ملتبسة قابلة لأن تُفسّر على أكثر من وجه فحسب، بل لأنّ هناك بالأساس سجلا طويلا من عدم مصداقية تصريحات المسؤولين الحكوميين في العديد من المواقف والأمور، خصوصا تصريحات وزراء الإعلام، التي سرعان ما يتم “لحسها”!
وبالتأكيد فإنّ الأهم من التصريحات الإعلامية هو ما حدث ويحدث على أرض الواقع من وقائع وترتيبات ومحاولات، إذ تواترت منذ شهر أبريل الماضي معلومات موثوقة وبرزت إشارات متعددة عن توجّه السلطة نحو حلّ مجلس الأمة وتغيير نظام الدوائر الانتخابية وتعديل آلية التصويت على أمل أن يأتي إليها ذلك بمجلس آخر تمتلك زمام أمره… وما حدث أن تداعيات تنفيذ حكم المحكمة الدستورية ببطلان مرسوم حلّ مجلس 2009 وإبطال انتخابات 2012  قد أعفت السلطة من أن تُقدِم مباشرة على حلّ المجلس المبطلة انتخاباته عبر مرسوم بحلّه، ولكن ذلك تمّ من دون أن تتخلى السلطة عن عزمها على العبث بالنظام الانتخابي بهدف تغيير الخارطة الانتخابية، مع ملاحظة أنها  أدركت مبكرا صعوبة قدرتها على تغيير عدد الدوائر الانتخابية من خمس إلى عشر لما سيثيره من ردات فعل غاضبة، لهذا ها هي السلطة الآن تحاول أن تجري تعديلا على النظام الانتخابي يكون أقل استفزازا؛ وذلك عن طريق تعديل آلية التصويت وحدها مع الإبقاء على الدوائر الانتخابية الخمس الحالية على ما هي عليه، بحيث يتم خفض القدرة التصويتية للناخب من أربعة أصوات إلى صوتين فقط، وذلك تحت ذريعة متهافتة تدعي الحرص على التمكين الانتخابي للقبائل الصغيرة، وهذه الذريعة عذر أقبح من ذنب لما تنطوي عليه من تكريس للطابع القبلي في الانتخابات النيابية، ناهيك عن عدم إمكانية تحققها فعليا بحكم محدودية أعداد ناخبي بعض هذه القبائل.
أما من حيث الإخراج فإنّ السبيل الوحيد الذي ستحاول السلطة اللجوء إليه لتنفيذ مخططها هو إصدار مرسوم بقانون بعد إصدار مرسوم حلّ مجلس 2009، الذي لم يعد هناك مناص من حلّه عاجلا أم آجلا، بحيث تتم دعوة الناخبين للانتخابات النيابية المقبلة وفقا لآلية التصويت الجديدة التي سيحددها المرسوم بقانون المزمع إصداره بصوتين لكل ناخب بدلا من أربعة أصوات، بما يؤثر على خيارات الناخبين ويقلّصها إلى أضيق نطاق وبما يخلط الأوراق أمام المرشحين، خصوصا من نواب غالبية مجلس 2012 المتحالفين… إلا أنّه مع ذلك كله فإنّ هناك عائقا دستوريا جديا يقف في وجه هذا العبث السلطوي الجديد في آلية التصويت الانتخابي، ذلك أنّ المادة 71 من الدستور تشترط لإصدار أي مرسوم بقانون أن يحدث “فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حلّه ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير”، أي لابد أن يتوافر عنصر الضرورة، وهذا الشرط الدستوري منتفٍ، إذ إن الحديث المتكرر والمعلن عن تغيير آلية التصويت من أربعة أصوات إلى صوتين دائر مسبقا منذ فترة طويلة وذلك قبل أن يتم إبطال انتخابات مجلس 2012 وقبل أن يتم حتى الآن حل مجلس 2009، وهذا ما نلمسه بدءا من بيانات التحذير الصادرة عن القوى السياسية وتصريحات النواب المعارضين لهذا التعديل المرفوض وغير المستحق؛ وانتهاء بتصريحات النفي الملتبس لوزير الإعلام، ما يعني أنّ عنصر الضرورة الموجبة للإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير ليس قائما في شأن تعديل آلية التصويت، وإنما هناك نيّة مبيتة وقصد معلن ومخطط مكشوف للعبث في النظام الانتخابي… وبالتالي فإننا في واقع الحال أمام محاولة سلطوية لاستغلال الرخصة الدستورية الاستثنائية بإصدار المراسيم بقوانين فترة حلّ مجلس الأمة لغرض سياسي لا صلة له بما يسمى عنصر الضرورة، اللهم إلا بقدر صلة “الضرورة” بما تريد السلطة إحداثه من “إضرار” بالنظام الانتخابي والحياة السياسية!