أقلامهم

أحمد الديين: لا نزال منذ العام 1962 واقفين في المربع الأول الذي كنا فيه

أزمة السلطة… وأزمة المعارضة… وأزمة البديل !
كتب أحمد الديين
 
بالأساس هناك أزمة سياسية رئيسية محتدمة تعانيها الكويت جراء التناقض غير المحسوم تاريخيا بين نهج المشيخة السلطوي ومتطلبات التطور الديمقراطي للدولة والمجتمع، الذي أدّى إلى تعطيل مسار هذا التطور منذ سنوات وعرقلة استكمال بناء الدولة الكويتية الحديثة، كما أدّى إلى إفراغ دستور الحدّ الأدنى من محتواه الديمقراطي؛ وفرض سلسلة من القوانين المقيدة للحريات، وتزوير انتخابات 1967 والانقلاب مرتين على الدستور في 1976 و1986 والعبث بنظام الدوائر الانتخابية العشر وتفتيتها إلى خمس وعشرين دائرة في العام 1980، والمحاولات المتكررة لإفساد العملية الانتخابية، بل إفساد الحياة السياسية في البلاد… ولكن تحت هذه الأزمة السياسية الرئيسية هناك مستويات أخرى من الأزمات التي لا يمكن القفز عليها أو الحديث عن حلّ الأزمة السياسية الرئيسية بمعزل عن معالجتها، وهي الجوانب المتصلة بأزمة الصيغة القائمة للعمل السياسي، وتحديدا شكله الرئيسي المتمثّل في العمل البرلماني، وأزمة المعارضة نهجا وبرنامجا وقيادة، بل هناك أيضا أزمة على مستوى البديل المطروح لتجاوز هذه الاوضاع المأزمة!
ولئن كانت الأزمة السياسية الرئيسية قد أُشبعت تناولا وتداولا وبحثا وتحليلا ونقدا فليست هناك في المقابل سوى محاولات محدودة جدا لتناول المستويات الأخرى من الأزمة السياسية بالبحث والتحليل والنقد.
فبعد نصف قرن من بداية العهد الدستوري ومحاولات السلطة المتكررة لنقض دستور الحدّ الأدنى والانتقاص منه أصبح واضحا أنّ هناك انسدادا في أفق التطور السياسي للبلاد، حيث لا نزال منذ العام 1962 واقفين في المربع الأول الذي كنا فيه، بل لقد تراجعنا عنه، حيث تكرّس نهج الانفراد بالسلطة والقرار أكثر من ذي قبل، خصوصا في ظل اتساع الطابع الريعي للاقتصاد الكويتي… أما العمل السياسي فأصبح يتركّز في المجال البرلماني وحده، وذلك على الرغم من أهمية هذا المجال التي لا يمكن إنكارها، بحيث أصبح العمل السياسي منحصرا في النشاط الانتخابي للمرشحين ومواقف النواب وتصريحاتهم واستجواباتهم واتجاهات تصويتاتهم، فيما تحوّل معظم التيارات السياسية إلى تجمعات انتخابية همها الأول إن لم يكن الأوحد كسب أصوات الناخبين وإيصال أشخاص مرشحيها – وليس برامجها السياسية – إلى مجلس الأمة، إذ لم تعد هناك قيمة جدّيّة للبرامج السياسية التي غدت في أفضل الحالات جزءا من النشاط الدعائي الانتخابي يأتي في مرتبة لاحقة من الأهمية بعد الإعلانات المدفوعة أو المدعومة المنشورة في الصحف والمبثوثة على القنوات التلفزيونية… ومع مرور الوقت أصبحت المواقف السياسية لهذه التيارات، بما في ذلك مواقفها تجاه القضايا الكبرى، تتحدد وفق الحسابات الانتخابية الآنية والمباشرة للمرشحين والنواب… أما الكتل النيابية فهي كتل تنسيقية غير متجانسة أحيانا، وغير قادرة غالبا على خوض الانتخابات ببرامجها أو قوائم مرشحيها!
وعلى خلاف ما كان عليه الحال في بدايات العهد الدستوري خلال عقد الستينيات والنصف الأول من عقد السبعينيات عندما كانت الحركة الوطنية بتكوينها السياسي هي التي توجّه العمل النيابي لنواب المعارضة، وهي التي تحرّك الشارع، فقد تقلّص منذ بداية التسعينيات وزن التيارات السياسية وتراجع دورها، بل غدت الحركة السياسية ملحقة بالعملية الانتخابية والنشاط النيابي، وهذا ما أضعف الاثنين معا.
كما أنّه على الرغم من تنامي الحركة الجماهيرية في الأحداث الكبرى مثلما هي الأحوال في “ديوانيات الاثنين” للمطالبة بعودة العمل بالدستور في 1989 و1990، وفي التحرك المطالب بإصلاح النظام الانتخابي في 2006، وفي الحراك الشبابي ثم الشعبي الذي تصدى لفساد الإدارة السياسية للدولة بين 2009 و2011، إلا أنّ النواب كانوا هم الممسكين بدفّة القيادة وهم أول المستفيدين من هذه الحركات الجماهيرية… فنواب مجلس 1986 هم الذين قادوا “ديوانيات الاثنين”، والنواب الـ 29 المؤيدون للدوائر الخمس هم الذين فازوا في انتخابات 2006، ونواب المعارضة في مجلس 2009 هم مركز الثقل في غالبية نواب مجلس 2012.
واتساقا مع هذا فقد التبست مصطلحات مثل “الغالبية النيابية” و”الأقلية النيابية” و”الموالاة” و”المعارضة”… وعندما نتوقف أمام تلاوين “المعارضة” وتشكيلاتها التاريخية والمستجدة نجد أنّ أطرافا ذات صلة بـ “المعارضة الوطنية التاريخية” انتقلت إلى مواقع أقرب ما تكون إلى “الموالاة”، أو هي في أفضل الحالات تحتل موقع “الوسط” بين السلطة والمعارضة، فيما نشأت “معارضة جديدة” تضم نوابا من مخرجات الانتخابات الفرعية ونوابا محافظين اجتماعيا وسياسيا؛ بل أنّ بعضهم لا يؤمن بالمبادئ الديمقراطية، ناهيك عن عدم تجانس توجهاتهم؛ وتباين مواقفهم، وعدم توافقهم على أولويات واضحة، فإن اتفقوا عليهم لم يلتزموا بها، فيما تبقى أولوية أولوياتهم هي استمرار عضوياتهم النيابية أو عودتهم إلى مقاعدهم الخضراء!
أما البديل المحتمل لهذه الصيغة من العمل السياسي فيعاني ما يمكن أن نسميه “أزمة النمو”… إذ إنّه مع تقدير الدور الايجابي للحركات الشبابية، إلا أنّها تبقى مجرد حركات احتجاجية ولم تتحوّل إلى حركات سياسية، ما عدا محاولة أحد أطرافها، فيما القوى السياسية الجذرية لا تزال في مرحلة التشكّل والتبلور… وهي الرهان الوحيد لإمكانية كسر الدوران غير المجدي في الحلقة المفرغة!