أقلامهم

خلود الخميس: الشعوب تنام ليلاً من جهَد العمل في النهار وتحلم ويقضي السلطان الليل سكران ولا ينام ولا يحتاج للحلم

أحلام الشعوب.. والسلاطين!

خلود عبدالله الخميس
ولا أدري أحق أن نسميهم سلاطين أم شياطين!
ولكن بالتأكيد فإن السلطان لا يخلو من نزغ الشيطان!
إن الشعوب عبارة عن أغلبية عامية. وإن تقدمت نسبة المتعلمين في الأوراق الرسمية وتراجعت الأمية يبقى ميزان الثقافة مختلفاً عن شهادة علمية تمنحها مدرسة أو معهد أو جامعة!
فما هي أحلام الشعوب، وهل تصرح بها، وكيف يتقبلها السلاطين، وهل يطبقونها؟
إطلاق الأسئلة سهل، لكونها الجانب التنظيري من السلوك. أما المرحلة الأصعب فتسبقها وهي التفكير الذي يمر به الإنسان. ويختلف التفكير باختلاف مراحله العمرية التجريبية. ولكل أسئلة إجاباتها المتوقعة وإجاباتها الحالمة المتمنية وصورتها الذهنية. ومنها ما هو قابل للبوح والتصريح ومنها ما هو غير ذلك.
نهتم بأحلام الشعوب، لأن الشعوب أصل الدول. والأرض هي الأم ذات الذراعين التي تحملهم وتضمهم إلى قلبها. والسلطان هو الأب الذي يرعاهم بالحاجات الأساسية المعيشية من مسكن وغذاء وتطبيب وإحاطة وولاية، وعليه أيضاً حاجات الرفاهية وذلك بتوفير أعمال للشعب تليق بمستوى الوطن وثرواته، وذلك مؤشر استحقاقه الملك عليه. وكذلك ما يفترض بالطبع. بينما الواقع أقرب للسجان له من السلطان!
السلطان دوره يشبه دور الجاذبية الأرضية بالنسبة للشعوب، فهو السلطة التي تحتاجها الجماعات والأفراد لإحلال النظام. والنظام هو المسار الثابت الذي يحتاجه قطار الحياة ليتقدم إلى الهدف آمناً ويسير في طريق سالك متفق ومتعارف عليه بلا قلق أو تأهب لنتائج مفاجئة عدا العوامل الطبيعية.
الشعب والأرض والسلطان مثلث البقاء، مثلث الخلافة في الأرض. وأي شرخ في ضلع منه تهتز أركان الاثنين الباقيين ويعرض وجودهما للزوال. هذه السنن الإلهية في الدنيا لا مبدِّل لها.
والشعوب كما قلنا مغلوبة على أمرها. والأرض جماد محكوم صلاحه باستخدام الأحياء من البشر والبهيمة. والسلطان هو الموكل بالقيادة. كم هي مهمة فاضلة قل من يفقهها. الإمارة على الشعوب!
إن السلطان عامل مهم لتحقيق أحلام الشعوب، بل هو جزء من حلمها الأكبر إن كان من أهل الحق.
وأحلام الشعوب أن تجد فوق أرضها المأوى الذي تتوق للعودة إليه وإن سافرت إلى الجنة، أن تعطي هذه البقعة المسماة بالوطن سنين عمرها وتلفح وجهها سمرة الشمس وعرق الحر. ولو أعطيت مال القرون لتخرج منها ما خرجت ولا رضيت أن تبدل بهما بياضاً وبرداً!
أن ترغب بتأسيس أسرة، فتشد الزينة فوق الأعمدة، وتنصب الرواق في ساحة المنطقة، وتقبل من الجيران مشاركتهم بإعداد الوليمة، وتدعو للزفاف سلطان الدولة وتلتقط معه الصور وتنشرها في الصحف وتقول: «هذا سلطان عادل» وتقبل هديته الرمزية للمباركة، وتبادله الحب والمودة والاحترام، وتنام هانئة، وعندما تفيق فجراً لتصلي في مسجد القرية تدعو له بطول عمر وكثير أجر على تقواه فيها.
أن تعود في المساء تتجمع حول المائدة وتقص حكايا النهار للعيال والأحفاد، ونسوة المنزل يقدمن الخبز والعسل والحليب الدافئ ومما رزقهم الله، ويعلمون جيداً أن هذه السفرة لن تخلو يوماً من الخيرات لأن الله رزقهم سلطانا أحسن إدارة أموال الدولة. وأرض فرحة بمن فوقها تسأل الله أن تكون لهم بساطاً ممهداً.
بينما الواقع أن أحلام الشعوب خفتت وبهتت، فهي لا تريد الإنجاب لأنها ترى المستقبل داكناً. تريد الهجرة بسبب ظلم ذوي القربى وأصحاب السلطة، تطالب بنصيبها من ثروة أرضها البوار ليكبر في أرض صالحة بعد أن آمن بفكرة الأم البديلة!
شعوب ذكورها يبحثون عن زوجة مهجنة تمنحهم بلدها الجنسية بعد أن يتم عليها العقد المصلحي باسم «قِران» ليندس في غرابة الوجوه حتى لا يتذكر ألم النكران!
الشعوب تنام في الليل من جهَد العمل في النهار وتحلم. ومعضلة السلطان أنه يقضي الليل سكران ولا ينام ولا يحتاج للحلم!
فأنّى لمثلث الوجود أن يستمر وأضلاعه غير متساوية، ويتطاول بعضها على الآخر؟!