أقلامهم

وليد المجني: الخلاف السياسي، مهما طال، إذا لم يأت وفق قناعات جميع الأطراف، فسيظل ممتدا حتى تسقط الدولة.

ومضات
لاتزال العصبية مسيطرة 
وليد المجني
إن الدعائم الأساسية التي تقوم عليها الدول تتمثل في العصبية والفضيلة، ووجود دعوة دينية أو مبدأ سياسي، ثم ضعف دولة سابق، حتى يتاح قيام دولة أخرى، وهذا كان محور نظرية ابن خلدون، الذي بنى من أجله نظرية تاريخية كاملة عن استيعاب التاريخ الإسلامي وفهمه في سياسات تكوين الدول وأنماطها بشكل واقعي، فضلا عما يقال في اتباع السياسات الفكرية والتشاورية، المزمع أنها هي التي قوامها بناء الدول، ولو لاحظنا أن العصبية التي قدمها ابن خلدون في نظريته لا تعني أن تلغي دور الأيديولوجيات أو العقيدة السياسية في تكوين الحدث ومساراته، بل كان يحللها من خلال القبيلة والقبلية تحديدا، وهو يميز المجتمعات العربية والإسلامية.
وكما أشار الأستاذ تركي الحمد في مقال: العصبية هي الأصل «إن تاريخ التحولات السياسية في التاريخ العربي الإسلامي مرتبط أشد الارتباط بمثل هذا النمط من العصبية، ولا يمكن فهمه فهما عميقا من دون العودة إلى فكرة العصبية هذه، كمفتاح رئيس، وليس المفتاح الأوحد، من مفاتيح التحليل. حركات اجتماعية وسياسية كثيرة في تاريخنا تبدو في ظاهرها وكأن لا علاقة لها بعصبية من هذا النوع الذي تحدث عنه ابن خلدون، بل وربما كانت معادية للعصبية بمجملها، ولكنها عند التحليل الأخير تكشف عن عصبية ضاربة في الأعماق: حركات مثل حركة الخوارج أو القرامطة، وأحداث مثل ثورة الأشعث أو ثورة الزنج، تبدو وكأنها قامت على أسس مخالفة لتلك الأسس التي تفترضها العصبية. ورغم أن الإسلام نهى عن القبلية كمحدد للسلوك (وليس القبيلة أو الانتماء القبلي)، بصفتها من أخلاق الجاهلية، فإننا نجد أن هذه القبلية كانت حاضرة حتى في الصدر الأول للإسلام، حيث الافتراض أنها لم تعد فاعلة في توجيه مسار الأحداث.
في الحقيقة، إننا لا نتحدث هنا عن العصبية القبلية من باب مجرد الحديث التاريخي أو الأكاديمي البحت، بقدر ما أن القصد هو فهم ما يجري لنا من أحداث هذه الأيام تقوم على صراعات عرقية وعنصرية، ولا يمكن أن تستقيم رعية في أي حالة، ما لم تتبع ولي أمرها.
وبعيدا عن المثاليات والشعارات الأيديولوجية المحضة، فإن كل ذلك أصبح معروفا ومدركا أن السلطة تحمل منطقها الخاص الذي يجبر المتعامل معها على أن يتبعه في النهاية، فالخلاف السياسي، مهما طال، إذا لم يأت وفق قناعات جميع الأطراف، فسيظل ممتدا حتى تسقط الدولة.