كتاب سبر

شعوب اللحظة و.. أمم الوقت الراهن!

فجأة ومن دون سابق إنذار توقف لهاث الألسن وتمتمة الشفاه وخطب المنابر ودعوات الأئمة عن الدعاء لشعوب تونس وليبيا ومصر واليمن، واحتكرت سوريا لوحدها وكالة التعاطفين العربي والإسلامي .. فهل حال هذه الدول اليوم أفضل من حالها بالأمس؟ وهل كان دعاؤنا نابعاً عن تعاطفنا مع تلك الشعوب؟ أم هو مرتبط برحيل أولئك البلطجية؟ فلا تزال البطالة .. والفقر .. والجوع وقلة الأمن والأمان تعصف بمصر وشعبها ! ولا يزال اليمن يعاني مجاعة لا يعلمها إلا الله، وبدت ليبيا على شفا هاوية الحرب الأهلية، وتونس اليوم لا يسر حالها عدواً أو صديقاً، فأين نحن منهم بعد أن قمنا بدعمهم للدخول في مرحلة جديدة ومن ثم انسحبنا بكل هدوء؟ فإن كان رحيل طاغية الشام مرهوناً بما سيلقاه الشعب السوري منا أسوة بما لقيه أخوتهم العرب فور رحيل طغاتهم فتلك مصيبة، وإن طال أمد الطاغية فالمصيبة أعظم وأنكى وأمر .

عندما قام الشعب الفرنسي بالثورة على النظام في 1789 فإنه لم يقدم على هذا الأمر لأنه كان أكثر مظلومية عن غيره من شعوب وأمم أوروبا، بل لأنه كان أكثر وعياً، حيث ظهر في فرنسا قبل نشوب الثورة مفكرون عظام من أمثال ” مونتسكيو ” و ” جان جاك روسو” و”فولتير” و”ديدرو” ، وكان دأبهم إيقاظ الشعب وإعداده إعدادا ثورياً ضد مبدأ التفويض الإلهي للحكم -خلاف ثورة سوريا التي كان إشعال فتيل نيرانها قضية أطفال درعا والمحافظ- فساهم ذلك في خلق الوعي الثوري عند الفرنسيين ودفعهم إلى القيام بالثورة التي ساهمت في دعم الثورة الأمريكية بالمال والجنود نكاية بعداوتها لبريطانيا، وما أشبه نكايتهم بالإنجليز بنكايتنا بإيران في الشأن السوري، وللتذكير فإن لويس السادس عشر الذي كان يحكم فرنسا عند قيام الثورة الفرنسية، كان أقل ظلماً من طغاتنا وأقرب إلى الشعب منهم، فقد استبشر الناس به عند توليه الحكم على إثر موت جده المتفسخ لويس الخامس عشر، إلا أن عيب لويس السادس عشر أنه كان يملك صفات الحاكم الرؤوف، فعندما انتصرت الثورة بعد سقوط الباستيل كان في مقدوره أن يقضي عليها وهي في مهدها لكنه لم يوافق على ضرب الثورة بل آثر تأييدها، وجاء بنفسه إلى باريس وحضر صلاة الشكر التي أقامها الثوار في كاتدرائية (نوتردام) ثم ذهب إلى قصر البلدية حيث قدموا له الشارة المثلثة الألوان (الأحمر والأبيض والأزرق) والتي أصبحت شعاراً للثورة، فتسلمها وهو يقول : (يستطيع شعبي أن يعتمد دائما على حبي) وهذا درس من الثورة الفرنسية لعل الشعوب الثائرة والمتأثرة تعي وتستلهم هذا الدرس، أما بالنسبة إلى الثورة السورية، فإننا نتساءل: لماذا تَحَمّل السوريون حكم البعث طيلة أربعة عقود؟

الكثير منا يجيب بأن السبب راجع إلى حاجز الخوف قبل انكساره، والقليل منا يتساءل عن سبب تأخر انكسار حاجز الخوف، والواقع يخبر بغير هذين التخمينين إن صح التعبير .. ولينظر كلٌ منا إلى الوضع من زاوية أخرى وعلى قاعدة (أفتي قلبك ولو أفتوك) !