كتاب سبر

في أول مقال له
رغبة .. لا ضرورة

بعد أن اعلن مقاطعته الانتخابات ترشحا وانتخابا .. الأوضاع تدفع النائب السابق وليد الجري الى كتابة المقال الاول في حياته:

جاءت المادة 71 من الدستور لتتحدث بشكل واضح حيث نصت على انه : ” اذا حدث فيما بين أدوار انعقاد مجلس الامة او في فترة حله ما يوجب الاسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير جاز للامير ان يصدر بشأنها مراسيم تكون لها قوة القانون …الخ”.

فأين الاحداث او الحدث هذا؟ واين ما يوجب الاسراع؟ واين هذه التدابير التي لا تحتمل التاخير ؟ اين هذا كله ؟

وجاءت المادة 51 من الدستور لتقول :” ان السلطة التشريعية يتولاها الأمير ومجلس الامة … الخ”.

واذا غاب مجلس الامة او غُيَّبَ عن الحياة البرلمانية فإن الامة لا تغيب عن المشهد السياسي ولا تغيب، فهي حاضرة في كل زمان ومكان ، وبكل تأكيد فان الحاضر بيننا دائما هو التاريخ الذي سيضع كلا منا في موقعه الذي اختاره لنفسه.

فالمادة 71 تضع أمانة التشريع بصفة مؤقتة بيد من آلت اليه دستوريا بشروط محددة وبشكل مقيد لا مطلق وفق ما نص عليه الدستور واتُّفِق عليه فقها وقضاء ، حيث قررت المحكمة الدستورية في حكمها 20 لسنة 2008:
” وان كان سن القوانين هو مما تختص به السلطة التشريعية وتباشره في اطار وظيفتها الاصلية ويتولاها مجلس الامة طبقا لاحكام الدستور الا انه نظرا لما قد يعرض للامة من الظروف والطوارئ والاحداث ما يستوجب اجراء سريعا وتشريعا عاجلا تتطلب مواجهتها بتدابير لا تحتمل التاخير فقد اجاز الدستور للامير في تلك الحالات ان يصدر في شأنها مراسيم لها قوة القانون ، وانه لما كان هذا الاستثناء هو حق خارج عن الاصل وحكم الاستثناء لا يقبل التوسع او القياس عليه ، اذ التوسع او القياس قد يهدم الاصل المستثنى منه ، لذا فقد حرص الدستور على ان يضع لهذه السلطة الاستثنائية في التشريع من الضوابط والحدود وما يكفل عدم إهدار سلطة الامة او جعل السلطة التنفيذية سلطة تشريعية على غير ما يقتضيه مبدأ الفصل بين السلطات ، او سلطة طليقة بلا قيد عليها او عاصم… الخ”.

وكما اسلفت فالمادة 71 تضع أمانة التشريع بصفة مؤقتة بيد من آلت اليه بشروط محددة وبشكل مقيد لا مطلق، وبالتالي هو حق استثنائي يحمل في طياته امانة وطن وامة عبئا لا امتيازا على من أوكل اليه ممارسته ان يتحمل تبعاتها وآثار استخدامها طبقا لنظرية المسؤولية.

ومتى ما تم الخروج عن هذه الضوابط التي حملها النص يعتبر تجاوزا لحدود الحق وهو ما يصفه القضاء والفقه بالتعسف باستعمال الحق.

فهل نحن سائرون في هذا الاتجاه؟

ومما ينبغي التاكيد عليه ألا يتصور صدور هذا المرسوم الا بعد موافقة مجلس الوزراء ، واليوم الاخوة رئيس مجلس الوزراء والوزراء عليكم ان تقدروا ، وبينكم من يقدر الفرق بين الرغبة والضرورة ، فليست كل رغبة ضرورة ، وأضيف أنكم بتراخيكم عن إقرار مرسوم الدعوة للانتخابات وفق النظام الحالي بعد صدور حكم المحكمة الدستورية الاخير ومرسوم حل مجلس 2009 تكونون قد شاركتم بشكل غير مباشر بالمسؤولية عن الاحداث التي وقعت منذ ذلك التاريخ حتى اليوم .

فاليوم الحصيلة هي سبعة مواطنين في السجن ،وحصلت وقائع على إثرها سالت دماء زكية فهل باستطاعة احد منكم ان يتخلى عن مسؤوليته وان كانت غير مباشرة عن هذه الاحداث ؟

وعلينا جميعا ان ندرك بأن الشعب الكويتي لا يقبل الافتئات على حقوقه الدستورية والقانونية وسيرد عليها بشكل نظمه القانون .

فالشعب لايقبل الوصاية عليه او إبقاءه في الحجر السياسي ، فكل منا مواطن كامل العضوية في هذا الوطن لا يقبل ان يعيش فيه مسلوب الارادة او ممتَهن الكرامة ، وعلينا ان نتذكر ذلك دائما بل ونفخر به ونفاخر الشعوب الاخرى.

الاخوة الوزراء لنا ولكم في التاريخ عبرة،  فأسلافكم منهم من هو الان  تحت الثرى (رحمهم الله جميعا) ومنهم من هو على قيد الحياة (اطال الله اعمارهم) ، الذين تسلموا سدة المسؤولية الوزارية ، قلة منهم لم يغيبوا ولن يغيبوا عن ذاكرة وطن او ضمير أمة ، وهناك الكثرة ممن اكتفوا بتسجيل اسمائهم كوزراء سابقين ليس إلا ، فبأيديكم لا بأيدي غيركم ، واليوم قبل الغد ستحجزون مقاعدكم في هذا السجل الخالد ، وإن غدا لناظره قريب.

فلا مجال اليوم من التنصل من المسؤولية او التحجج باعتبارات اجتماعية او غيرها ، فالدستور الذي اقسمتم على احترام احكامه قد يُهدر لا سمح الله من خلالكم ، أما بِصَمتكم وترددكم او تراخيكم عن اتخاذ الموقف الحق تحت اي مبرر،  ويومها فليستقر في يقينكم ان مسؤوليتكم المباشرة عما سيحدث من وقائع واحداث بعد ذلك قد انعقدت ، والتي نرجو من المولى عز وجل أن يصرفها عن وطننا ، فالكويت واهلها يترقبون مواقفكم في الساعات المقبلة .

وختاما كما بدأت أؤكد ان الرغبة المجردة مهما كانت دواعيها فلا يمكن إسباغ رداء الضرورة عليها،وتبقى في أفضل حالاتها رغبة وبكل تأكيد ليست ضرورة .

وليد الجري