• الديمقراطية وصفة سحرية لضمان استقرار الأنظمة السياسية لقدرتها على تنفيس الاحتقان
• للموالاة مكونان اساسيان.. وسائل الاعلام ومستشارو السلطة الذين يؤثرون في القرار الحكومي
• الخروج إلى الشارع آخر الدواء والسياسيون يدركون صعوبة التحكم بشعارات الناس
• المعارضة استقطبت قطاعات واسعة من المجتمع ودخلها المكون القبلي
• بن جامع عبر عن توجهات كافة أبناء القبائل وهو بذلك يقود الراي
• غياب الاعلام دفع المعارضة إلى التواصل المباشر مع الشعب من خلال الندوات
• المشهد السياسي كما يعكسه “تويتر” يختلف كليا عنه في وسائل الإعلام
لم يعد الحراك السياسي في الكويت مجرد حالة ديمقراطية ترتبط بالعملية الانتخابية قبيل الانتخابات، أو كصدى طبيعي للقضايا السياسية والاقتصادية التي تناقش تحت قبة البرلمان، بل تعدى ذلك بكثير, لا بل بدأ يشهد توسعا حقيقيا, ولم تعد الشخصيات النيابية هي اللاعب الاساسي فيه، بل امتد هذا الحراك ليشمل مكونات اساسية واسعة في المجتمع الكويتي كالقبائل ورموزها.
وإذا كان علم الاجتماع يعترف حتى الان بصعوبة التنبؤ بنتائج نزول الناس إلى الشارع، ومدى التحكم بسقف مطالبها، وباللحظة الفاصلة بين بقاء الناس تحت سقف الواقع الراهن، أو تجاوز هذا السقف إلى آفاق تنذر بتغيير أكبر، فإن السياسيين أنفسهم يدركون أن الناس حين تخرج إلى الشارع، لا يمكن التحكم بشعاراتهم لوقت طويل, وقد يجد السياسيون أنفسهم في مجرى تيار يستحيل مقاومته, والسياسي يدرك حين يدعو جمهوره للنزول إلى الشارع, أنه يقوم بمغامرة غير محسوبة النتائج، لكنه يكون مدفوعا للجوء إلى آخر الدواء.
لم تعد الشعوب في كافة أنحاء العالم ترضى بديلا عن الديمقراطية، وإذا كانت الديمقراطية هي حالة استقرار للشعوب ولوصولها إلى مطالبها، فإنها وقبل كل شيء أثبتت أنها وصفة سحرية لضمان استقرار الأنظمة السياسية أيضا, لقدرتها الهائلة على تنفيس الاحتقانات السياسية عبر وسائلها ومؤسساتها، بدءاً من التعبير عن الرأي بحرية، وضمان حرية الاعلام في تبنيه لمختلف الآراء والبرامج السياسية، وصولا إلى قدرتها على إيصال الأصوات المختلفة لمكونات المجمتع, وليس غريباً أن تحرص دول الديمقراطيات العريقة على وضع قوانين لدعم الصحافة ماليا بما فيها صحافة المعارضة، وإفراد مساحات واسعة في وسائل الاعلام الرسمية للمعارضين، لأن هذه الدول أدركت بخبرتها العريقة أن الديمقراطية الحقيقية هي ضمانة استقرار النظام السياسي العام، وأن سد المنافذ على الناس نذير شؤم قد يوصل الجميع إلى نقطة يصعب معها التحكم بالنتائج.
هذه المقدمة لابد منها للدخول إلى حالة الحراك السياسي في الكويت، والذي بدأ يستقطب جميع مكونات المجتمع الكويتي، لتبدو صورة البلاد الآن وكأنها مشدودة بين المعارضة والموالاة, مع اختلاف شديد في تقدير الحجم الحقيقي لكل منها.
المعارضة من جهتها توسعت، وتعدت الرموز التقليدية المتمثلة بالشخصيات النيابة والسياسة, واستقطبت قطاعات واسعة جداً من المجتمع الكويتي، كما دخلها مكون أساسي وهو المكون القبلي، ليس من خلال أفراد معارضين من القبائل، بل من خلال شيوخ هذه القبائل، فحين يعلن أمير قبيلة العوازم فلاح بن جامع مقاطعة قبيلته للانتخابات في حال عبثت السلطة بقانون الانتخاب، فهو لا يعبر عن قبائل العوازم فقط بل عن أغلب قبائل الكويت، خصوصاً بعد التصريحات التي استحسنت إعلانه من قبل شيوخ ورموز هذه القبائل.
المكون القبلي اساسي في الكويت, وحين يعلن شيوخ هذه القبائل موقفاً سياسياً فإنما يعبرون عن ضمير هذه القبائل, ولا أدل على ذلك من إعلان بعض أعضاء التجمع السلفي في بعض المناطق، مقاطعتهم للانتخابات في حال تغيير قانون الانتخاب، حتى لو كان موقف التجمع مع المشاركة في الانتخابات, وهو ما يؤكد أن بن جامع استطاع التعبير عن توجهات أبناء القبائل، وبذلك يقود الشارع الآن، وهو مايعبر عنه الكاتب عبد اللطيف الدعيج في أحدى مقالاته حين قال: “ودي اسأل الوطنيين الديموقراطيين من مؤيدي الدائرة الواحدة والقوائم الحزبية، شيخ العوازم لم يدخل عالم السياسة بعد، مع هذا فهو يعتقد ان لديه خمسين الف صوت يأمر عليهم. الديموقراطيون صار لهم خمسون سنة يناضلون، ما عندهم حتى خمسمائة صوت، يعني واحد في المائة من مناصري السيد الجامع، فهل لا يزال الديموقراطيون يعتقدون ان لديهم فرصة او بالكويتي «يقدرون ياكلون خبزة» مع بن جامع وبقية شيوخ القبائل في انتخابات القوائم والفوز النسبي الذي يدعون بشدة له؟”.
اكتسبت المعارضة زخماً كبيراً وأصبحت تعبر فعلا عن ضمير الشارع الكويتي، وهي تضم ثلاث مكونات اساسية, الاول وهو المكون القبلي رموز قبلية فاعلة, والمكون الثاني نيابي, يضم نواب المعارضة في مجلس 2012 المبطل، ويعبر عنهم رئيس هذا المجلس أحمد السعدون, والمكون الثالث سياسي، يتكون من عدد كبير من التيارات السياسية والشبابية يعبر عنهم التكتل الشعبي والحركة الدستورية الاسلامية ودخول التيار الليبرالي الفاعل هذه الايام ممثلا بالتجمع التقدمي ومظلة معك, مايدل على أن المعارضة تيار قوي يكاد يعبر عن إجماع الكويتيين, على عكس ما تقدمه وسائل الاعلام التي استطاعت السلطة وموالاتها التأثير عليها بهدف التضليل الإعلامي، وتقديم المعارضة وخطابها وقوتها على خلاف الواقع، ويكفي أن نشير في هذا الصدد إلى افتتاحية جريدة “عالم اليوم” بتاريخ 14 أكتوبر الجاري، والتحول الكبير والمفاجئ في توجهات هذه الصحيفة التي كانت تعتبر الوحيدة التي تنصف المعارضة وتعرض رأيها وتوجهاتها، وزادت على ذلك بإفراد مساحات واسعة سواء في الصحيفة أو في قناة “اليوم” للشخصيات التي تمثل الموالاة ورأي الحكومة، وهو تحول قد يمثل إغلاق آخر نافذة إعلامية في وجه المعارضة ورموزها.
مع أن المعارضة تمثل القبائل ورموزها، إضافة إلى غالبية نواب مجلس 2012 المبطل، والذي عبر عن إرادة الأمة خصوصاً وأنه جاء بعد حراك شعبي واسع ومعبراً عن هذا الحراك، كما تضم غالبية التيارات والتشكيلات السياسية المؤثرة في البلاد, ولكنها تفتقد بشكل كبير لوسائل الاعلام, لا بل تعمل وسائل الاعلام جاهدة على محاربتها، وممارسة تضليل واضح ومكشوف للتقليل من اهميتها وقوتها وفاعليتها.
من جانب آخر تتكون الموالاة التي تفتقد لأي وجود فاعل أو تأثير حقيقي في الشارع الكويتي، من مكونيين اساسين، الأول وسائل الاعلام, والثاني تأثيرها على السلطة بوجود مستشارين ومسؤولين يؤثرون في القرار الحكومي, ويسند ذلك المكون شريحة التجار التي تتبادل المواقف السياسية بمقابل القرارات الاقتصادية وهو نتاج علاقة عضوية بين هذه الموالاة والسلطة، تتمثل في الخدمات السياسية التي تقدمها الموالاة للسلطة، مقابل مصالح متنوعة في مؤسسات الدولة.
في مواجهة تعاظم قوة المعارضة خصوصاً خلال الندوات الشعبية التي تقيمها، وجدت وسائل الاعلام نفسها امام خيارين أحلاهما مر، الأول تجاهل هذا الحراك وهو مايفقدها مصداقيتها ووجودها أمام جمهورها، والثاني تغطية هذا الحراك والعمل على تزييف الحقائق بهدف ممارسة نوع من التضليل الإعلامي بهدف التقليل من شأن وفاعلية هذه المعارضة.
بالمقابل لجأت المعارضة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وإلى بعض الصحف الإلكترونية، ولذك يكتشف المتابع أن المشهد السياسي كما يعكسه موقع “تويتر” مثلا يختلف كليا عن المشهد كما تصوره وسائل الإعلام الكبرى.
كما لجأت المعارضة إلى التواصل المباشر مع الشعب من خلال الندوات والحديث مباشرة إلى الجمهور، إضافة إلى العلاقات العامة والتواصل مع المجاميع الشبابية.
أضف تعليق